Mohamed Badawi is the Monitoring Programme Director at ACJPS.
This article was originally published in Albaeed online newspaper
بقلم : محمد بدوي
أستشرفت دزلة قامبيا في 17 يناير 2017 م تاريخا جديدا بطي صفحة دكتاتورية الإسلام السياسي برحيل الرئيس السابق يحيي جامع ، التي إمتدت فترة حكمة في الفترة من 1994 -2017 فهو بجانب رئاسته للدولة يعتبر القائد الإعلي للقوات المسلحة ، جغرافية الموقع تظهر من دولة قامبيا تبدو كلسان يخرج هازئاً من داخل دولة السنغال ممتداً ليعانق المحيط الأطلنطي ، سيطر جامع علي زمام السلطة بدولة لم يتجاوز عدد سكانها المليونين و الثمنامئة ألف نسمة (2800) شكل المسلمون فيها نسبة 90% ، التغييرات السياسية في المحيط الإقليمي لغرب إفريقيا من نجاح الإنتخابات النيجيرية ،الإنتخابات في دولة بنين ،صعود تيار الحقوق و المحاسبة بدولة السنغال و التي أفضت إلي محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين هبري بتهمة الإبادة الجماعية في العام 2016م ،أضف إلي ذلك صعود تيار البان أفريكانيزم ممثلة في الجيل الثاني من مدافعي حقوق الإنسان حيث تقلد الناشط الحقوقProf , Chidi Odinkaluo)) رئاسة مفوضية حقوق الإنسان بنيجريا ، و كذلك المدافع و النشاط ( Sidiki Kaba ) الذي تولي وزارة العدل بدولة السنغال في 2013 م ، أضف إلي ذلك مواقف المحامي و المدافع السنغالي [1](Ibrahima Kane) الذي ظل يعلن عن مواقفه الواضحة حول البان أفريكانيزم ، و عدم التعويل علي الدول الغربية في إخداث النقلة الديمقراطية في إفريقيا ، كانت تلك مؤشرات إلي فشل جهود دكتاتورية يحيي جامع في البقاء علي السلطة في قامبيا .
شكلت تجربة قامبيا في التحول الديمقراطي تجربة جديرة بالدراسة و الإستفادة منها في سياق التحولات المرجوة في الدول التي إقترنت فيها الدكتاتورية بالإسلام السياسي ، من خلال سجل التجارب الإنتخابية فقد عول جامع علي عدم وحدة المعارضة ليفوز بسهولة في الإنتخابات السابقة في العام 2012م ، الأمر الثاني تمثل في إعلانة لفامبيا كدولة إسلامية في12 ديسمبر 2015م في خطأ منح التحول الديمقراطي فرصة واسعة من الدعم الإقليمي ، حيث شكلت تلك الخطوة تهديداً للأمن والسلم الإقليمي لغرب إفريقيا مقترنا بالمد لمجموعة بوكو حرام المصنفة كجماعة إرهابية في غرب إفريقيا إنطلاقاً من نيجيريا و محاولات مدها نحو الشمال الغربي نحو تشاد مما عزز التضامن الإقليمي في إتخاذ مواقف ضد قامبيا ، الأمر الثالث أنه كغيره من الدكتاتوريات ( يقرأ المكتوب بالقلبة ) حين أعلن قبولة لنتيجة الإنتخابات التي هزم فيها قبل أن يعود و يعلن سحب تصريحة و تمسكة بالسلطة ، تجربة ساحل العاج في العام 2012م التي أجبر فيها الرئيس السابق( Laurent Gbagbo ) علي المغادرة عنوة من داخل غرفة نومه كانت بمثابة ميثاق لم يمر بمراحل المصادقة من قبل دول غرب إفريقيا لكنه شكل ما يمكن تسميته بإعلان (غرب أفريقيا للتحول الديمقراطي )، بذل الرئيسين الغيني ألفا كوندي و المورتاني محمد ولد عبدالعزيز جهوداً في أقناع جامع بالمغادرة عقب خسارته للسلطة ، و ذلك لتتجنب قامبيا التدخل العسكري .
تجربة جامع تشير إلي كيف يمكن للدكتاتوريات أن تستنفذ كل تكتيكاتها في ظل أرتفاع التحول الديمقراطي ، ثقافة الحقوق ، وإتساع نطاق إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي و إستخدامتها في مجال المناصرة للتحولات المختلفة ، أسبغ جامع علي نفسه سلسلة من الألقاب التي سبقت أسمه فهو ( البروفسور الدكتور المهندس الشيخ يحيي جامع ) ، أدعي جامع أرفع الألقاب العلمية التي أشارت إلي حالة ( تضخم الذات) التي أعترته لكي يثبت أنه جدير بالمكوث علي السلطة ، بل ذهب في العام 2007م إلي إدعاء قدرتة في علاج مرض نقص المناعة (الإيدز ) ليربط بين الحاكمية الإلهية لجلوسة في السلطة و خصه بالمعجزات .
محاولات الإتحاد الإفريقي لتحسين حالة حقوق الإنسان بقامبيا تمثلت في جعل العاصمة بانجول تستضيف مقر المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان و الشعوب ، الألية المعنية بمراقبة حالة حقوق الإنسان و تنفيذ العهود الإفريقية في مجال حقوق الإنسان و الفصل في المنازعات في ذات الشأن بين الدول و بين الدول و الأفراد في القارة ، الإ أن ذلك ذهب ادراج الريح حيث ظل سجل قامبيا يشير إلي صعوبة الوصول إلي العدالة و الإنصاف ، التدهور مستمر في سجل الإنتهاكات إبتداءاً من التنفيذ الواسع لعقوبة الإعدام دون ضمانات للمحاكمات العادلة ، الإختفاء القسري و تدهور مساحة حرية التعبير والتنظيم (وعلق الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت أموال المساعدات لغامبيا العام الماضي بدعوى “سوء سجلها بمجال حقوق الإنسان” وهي تحتل المركز 165 من بين 187 دولة بمؤشر الأمم المتحدة للتنمية)[2]
الحالة الإقتصادية بقامبيا ظلت تعتمد علي الزراعة كمورد أولي بالإضافة إلي السياحة ، فلم تقو قامبيا في الوقوف في وجه التحولات الإقتصادية في العالم من جراء العولمة فإرتفعت تكلفة الحياة في وقت وجيز و لا سيما بعد العام 2011م ، لم تفلح السياحة في رفد موارد الدولة بشكل أمثل لسوء إدارتها .
لم ينتبه جامع إلي إرتفاع مد الوعي نحو التحول الديمقراطي فحاول التخندق بالرفض حين حان وقت مغادرتة لكنه تفأجأ بالقوات السنغالية علي حدود دولتة لتمنحة أربعة ساعات للمغادرة ، ليغادر مجبراً تاركاً كل ألقابة لكي يتسع الحيز لحمل أمواله التي سمح له بأخذها معه ، إلي جانب ذلك فقد غادرها بعد أن عزفت له الموسيقي الرسمية للدولة قبل صعوده للطائرة ، ليقدم الشعب القامبي نموذجاً في الوعي فتلك الموسيقي لم تكن لوداعه جامع بل أستقبالاُ مجيداً للتجربة الديمقراطية السلمية .
تضاءل الخيارات أمام جامع جعله يختار دولة غنيا بيساوا لينجو من الخضوع للمحاسبة علي الإنتهاكات التي حفل بها سجل حكمه ، أختياره لتلك الدولة ظناً أنه في مأمن أمر سيحيمه الزمن فالرجل يراهن علي تدهور العلاقة السياسية بين غنيي بيساو و فرنسا ، جرائم التعذيب و الإختفاء القسري ستظل هي الكوه التي تفتح ملفات المحاسبة و أن طال الزمن .
[1] Open Society Foundation , Director of Advocacy of African Union .
[2] رئيس غامبيا يعلن بلاده جمهورية إسلامية ، الجزيرة نت ، 12، 12 ، 2015 م