محمد بدوي
إغتصاب الأطفال و الضمير الإنساني
جرائم الإغتصاب بشكلٍ عام تهز الضمير الإنساني، إقترانها بالإطفال، كضحايا، يُثير الغثيان ويُضاعف من الشعور العام بالوحشية لكونها تتم ضد أشخاص لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ظل الواقع السوداني يشهد تكراراً لنمط تلك الجرائم، اليسير منها يجد منفذاً للإعلام الإلكتروني مما يُعزّز من عمليتي المحاسبة القانونية والمناصرة التي تقود في غالب الأحيان إلي القبض علي الجاني أو النجاه وتقديمهم للمحاكمات، المنع المفروض علي الصحف السودانية من نشر هذه الجرائم ظل قائماً منذ الأول من فبراير 2013م مما ظل يُشكل حصانة غير قانونية ويحرم الجمهور والمؤسسات المختصة من معرفة إحصائيات الجرائم وبالتالي التعامل معها بما يقتضي الحال من دراسات و طرق ممنهحة للمناهضة.
المراقب للأحداث يُمكنه ملاحظة السمة العاطفية كنمط في حملات المناصرة للدرجة التي إرتفعت فيها بعض الأصوات مطالبةً بإعدام الجناة في ميادين عامة ! هنا يثور سؤالٌ عن جدوي الإعدام والتنفيذ في ميدانٍ عام؟ في تقديري أن الإعدام يُمثل عقوبة إستئصالية والتركيز عليها ليس سوي قفزاً فوق النتائج، فالتنفيذ في ميدانٍ عام إن قُصد به الردع العام فهل ذلك كافٍ لمحاربة تلك الجريمة ؟ بالطبع لا !
نطاق تطبيق عقوبة الإعدام في السودان
السودان من الدول التي يرتفع فيها تطبيق عقوبة الاعدام للدرجة التي تم النص عليها في ما يفوق ال(37) مادة في مختلف القوانين السودانية (الجنائي، الطفل، المخدرات والمؤثرات العقلية، الإرهاب، الأسلحة والمتفجرات، الشرطة، الأمن، القوات المسلحة) فهل قلل ذلك من الجرائم المرتكبة ؟ وهل القانون وحده مُناط به محاربة الظاهرة ؟.
الحصار المضروب علي النشر إنعكس في عدم وجود إحصائيات دقيقة متاحة من قبل السلطات السودانية تُشير الي إحصائيات الجرائم بشكلٍ عام كما هو الحال في بعض الدول الأفريقية المجاورة التي تصدر فيها الشرطة تقارير سنوية بأنماط الجرائم ونطاقها الجغرافي وهوية مرتكبيها من حيث العمر، الدوافع، الناجين، مصير الضحايا وإعادة التأهيل.
حماية الأطفال والإلتزامات القانونية
في العام 2005 تم إنشاء وحدات الطفل والأسرة بتمويلٍ من منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف، كما انتظمت بعض أقاليم السودان إنشاء محاكم مختصة بقضايا الأطفال وكذلك يُفترض أن يمضي الحال في تأسيس نيابات وشرطة مختصة، أضف إلي ذلك أن السودان كان قد صادق في العام 2010 علي إتفاقية حقوق الطفل، وكذلك علي الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل، كل هذه تدفع للتفكير إلي الوضع الخاص بالأطفال والخصوصية في السياسيات التي تتعلق بذلك بما يُحقق حماية الأطفال ورفاهيتهم وهو دور رغم خصوصية المجلس الأعلي للطفولة في النهوض به لكن يظل مرتبطاً بالسياسات الكلية للدولة وتوجهاتها، وإنعكاس ذلك علي الأطفال في حياتهم من مختلف الزوايا.
إقتصاد العدالة …والتخطيط الإستراتيجي
النظر إلي ذلك يتطلب طرح سؤال ماهية السياسات المرتبطة بتحقيق ذلك من الناحية الإقتصادية؟، وكم هي الميزانية المخصصة لتأهيل الأطفال ورعايتهم من أدني المستويات المرتبطة بالرعاية والتعليم والرفاهية؟، هذا لا ينفصل عن وضع العاملين في ذات الحقل من حيث الأجر المجزي والتأهيل، ليس الأطفال في الفضاء الخارجي فقط من هم في إستحقاق لذلك إنما يجدر التفكير أيضاً في أولئك الملحقين بذويهم في السجون أو المراكز الخيرية، فما هي الرعاية التي تُقدم لهم؟ هل من دور مخصصة تتناسب وحقوقهم التي كفلها القانون؟.
التعامل مع النتائج وإغفال الأسباب
النظر إلي جانب واحد من الأمر لن يقود إلي رؤية الصورة الكلية، فالدعوة إلي إعدام الجناة، كما أشرت سابقاً، هو تعامل مع النتائج فقط لكن يجب أن نُفكر أيضاً في أن إرتكاب هذه الجرائم يفرض إجراء دراسة علمية للجناة والدوافع والأسباب والسجلات التاريخية المرتبطة بهم، فقد نصل إلي نتائج علمية تقود للتعامل مع تلك الإنتهاكات بطريقةٍ أمضى أثراً وأكثر فاعليةً، فليس من المستبعد أن يكون من بين الجناة فئات وقع عليها ذات الإنتهاك في مرحلة ما من عمرها! كما يُمكننا أن نكتشف حوجتنا إلي إعادة صياغة مناهجنا التعليمية وإدراج ما يتسق والتربية وتعزيز ثقافة الوعي والحقوق! إن معرفة الدوافع هي صمام أمان لحماية المجتمع، فهل تم إحصاء جرائم الإغتصاب التي تتم من قبل رجال المجتمع مِن من يتمتعون بالوصاية المهنية أو الإجتماعية علي الأطفال؟، بالطبع هم فئات مختلفة هل تم تقييم العلاقة بشكل علمي و مساهمتها سلباً في الأمر؟، فبتتبع نموذج واحد للإنتهاكات التي تقع للأطفال من قبل رجال الدين في بعض الأحيان نكتشف أن الأمر نتاج تقييم خاطئ لإفتراض محمول علي أن المحمول الديني يُقابله محمول الأمان وهو أمر في غاية الخطورة، الأمر الثاني مفهوم سلطة العقوبات وتفويضها لأولئك المناط بهم رعاية الأطفال تعليمياً أو دينياً أحد مداخل إرتكاب تلك الجريمة، بل الإجبار علي الصمت عليها، ألا يقود ذلك إلي تشوهات نفسية تجعل من ضحيةٍ ما مُنتهك ما في وقت لاحق .
تكامل أدوار حماية الأطفال
عمالة الأطفال بشكلٍ عام وإرتباطها أو تنميطها ثقافياً في بعض المهن مثل وظيفة المساعد الثاني للسائق المناط به تجهيز الأكل والإهتمام بشئون الرحلة السفرية ظلت تنمط ثقافياً كإحدي المهن التي تتم فيها إنتهاكات ممنهجة علي ذات النسق، محمولة علي طبيعة المهنة، واقع الحالة الأمنية بالسودان تاريخياً ملئ بالصراعات المسلحة وسجل حافل عن تقاعس الدولة المركزية منذ الإستقلال عن تقديم الخدمات لمواطنيها مما نتجت عنه موجات نزوح واسعة النطاق وإحدي نتائج ذلك تزايد عمالة الأطفال التي في الغالب تصاحبه إنتهاكات قد ترقي إلي مستوى التحرش الجنسي .
حماية الأطفال عملية متكاملة تتم من أدني مستويات أجهزة الإدارة الشعبية مثل ممثلي الوحدات الإدارية بالدولة في الأحياء السكنية، فهم يراقبون تخلف الأطفال من المدارس ومساءلة ذويهم إلي إيصال الأمر إلي مناهج مراقبة ترتبط بالمنهج التعليمي تجعل من الطفل لا يتورع عن إخطار معلمه بما حدث معه في اليوم السابق، بعض التجارب وصلت إلي حد إستخدام ال DNA للكشف عن الآثار التي خلفتها العقوبات التي يتعرض لها الطفل في أي حيزٍ.
الدعم الإجتماعي والنفسي وإعادة التأهيل
دور الطب النفسي والخدمة الإجتماعية في مسار حياة الأطفال والمرافق المختلفة بما في ذلك محاكم الأطفال التي يجدر أن يكون من بين طاقمها القضائي مختص من وزارة الرعاية الإجتماعية، هو دورٌ مهم يتعلق بتوفير ضمانات التنشئة للأطفال تحد من الجناة المستقبلين، في واقعنا العديد من الممارسات التي تُعزز من تلك الظاهرة فهنالك الأطفال الجنود، المهام التي توكل للشرطة بتجميع الأطفال وإيداعهم للنوم في أماكن محددة دون رقابة من أية جهة، غياب الإصلاحيات ودور الرعاية في العديد من أقاليم السودان، العقوبات التي تتم في المرافق التعليمية الرسمية الأهلية الدينية، عمالة الاطفال، أليس كل هذه الممارسات مداخل لإنتهاكات ومحفزات لتكوينات نفسية تحتاج إلي إعادة تاهيل ؟.
حرية وأمان الفضاء العام
تنفيذ عقوبات الإعدام في مكانٍ عام سيزيد من الإحساس بعدم الأمان لدي السودانيين وسيُغير من وظيفة الشارع العام في أن يصبح مكاناً آمناً ومساحة للترفيه وممارسة الحياة إلي رمزٍ للخوف العام، فدعونا ننظر إلي الأمر وفق هرم المسئوليات ووفق خطط وسياسات الدولة ومسئولياتها، أيضاً يجب أن نتذكر بأن الجناة في ظل المحاكمات العادلة يجب أن تتوفر لهم ضمانات من التعذيب والتمتع بالحق في التمثيل القانوني، فقد يقود الأمر إلي أن نقف أمام جريمة إغتصاب فارق ضحيتها الحياة وجاني هو الآخر ضحية لحادثة ما في مرحلة سابقةٍ من عمره، لتُصبح محصلة الحال بأن عقوبة الإعدام طالت ضحية أخري بينما ظل الجاني الذي شكل الدافع بعيداً عن كل ذلك، لن يجدي إنفعالنا العاطفي وحملاتنا التي ترتبط بالأحداث بل يجب أن نفتح الجراح وننظفها ثم نضع الدواء المناسب لعلاجها .