الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
enar
A-3-660x330

الاختفاء القسري وغير الطوعي تبحث عن شقيقها المختفي في بلد مزّقت أوصاله الحرب

الشاب محمد يختفي فجأة دون أي أثر منذ 29 مايو 2023.

خرج محمد البالغ من العمر 27 عاماً من مسقط رأسه في شمال السودان متوجهاً صوب العاصمة الخرطوم.  وإذا بأسرته تفقد فجأة إمكانية التواصل معه أثناء الرحلة. يحدث ذلك في وقت يتعرض فيه المئات من المدنيين في السودان لعمليات الاختفاء القسري بواسطة طرفي الحرب الدائرة وحلقة العنف الشريرة المتبادلة بينهما والتي تعصف بالبلاد منذ شهر ابريل. لذلك تتوجس أسماء شقيقة محمد خيفة على مصيره.

وصرّحت أسماء خلال جلسة استماع لدى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري في شهر سبتمبر الماضي، قائلة: “منذ اختفاء محمد وانقطاع سبل الاتصال به، تعيش اسرتنا في حالة صدمة وأصبح الحزن يخيم علينا ويقضي على كافة مظاهر الحياة الطبيعية داخل الأسرة وكأنما قد توقفت عجلة الحياة بنا. وأصبح تفكيرنا مشوشاً من كثرة التفكير فيه ونحن لا نملك وصولاً إليه ولا ندري هل هو معتقل؟ أم هل لا قدر الله تعرض لحادث ما؟ وأصبح تفكيرنا عاجزاً عن التكهن بمصيره.

قامت أسماء التي تقود جهود الأسرة في سبيل البحث عن شقيقها بإبلاغ الصليب الأحمر وعدد من الجهات غير الحكومية الأخرى. كما لجأت أيضاً في ذلك إلى وسائط التواصل الاجتماعي والتي اكتسبت مؤخراً رواجاً كبيراً في السودان وأصبحت الفضاء الرئيسي للأهل والأقارب للتبليغ عن حالات الاختفاء في ظل غياب البدائل القانونية التي يمكن اللجوء اليها لإيجاد المختفين.

وقالت أسماء: “لاحظت احتواء وسائط التواصل الاجتماعي على أعداد كبيرة من بلاغات اختفاء الأشخاص خلال فترة الحرب، وعجز ذويهم عن الوصول إليهم. وتشمل تلك الحالات اشخاصاً من جميع الفئات العمرية ومن كلا الجنسين.” وأضافت بأن جميع تلك الأسر تكابد احزان ومرارات اختفاء احباؤهم.

مراكز الاحتجاز غير القانونية

صرح السيد/ مساعد محمد علي، مدير المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، وهي منظمة غير ربحية، بأن عدد حالات الاختفاء القسري قد تصاعد بشكل كبير عقب اندلاع القتال في الخامس عشر من ابريل بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

الجدير بالذكر بأن الاختفاء القسري أصبح من الممارسات الشائعة في السودان لعشرات السنين، وقد لجأ إليه جهاز أمن الرئيس المخلوع عمر البشير بغرض اخماد صوت المدافعين حقوق الانسان وقادة المعارضة.

كما أضاف السيد مساعد بأن كلا من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع متورطين في ممارسات الاحتجاز العشوائي وغير الشرعي للمدنيين. وأصبح ذوي المختفين وفي ظل الحالة الفوضوية التي تعيشها البلاد من جراء الحرب الدائرة، هائمين على وجوههم وتقطعت بهم السبل وهم يبحثون عن احبائهم المختفين.

وقال السيد مساعد: “ان جهل الأهالي والأسر بأماكن احتجاز المختفين، يعود إلى انتشار مراكز الاحتجاز غير القانونية التابعة لكل من الطرفين في مختلف أرجاء البلاد.” مضيفاً بأن مواقع تلك المراكز تظل مجهولة في ظل السرية التي يحيط بها كل طرف من الطرفين أماكن الاحتجاز الخاصة به.”

وحسب المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام فإن المحتجزين محرومون من حق الحصول على خدمات المحاماة وأنهم يتعرضون للتعذيب ومختلف أساليب التعامل السيئة الأخرى. كما ان التهم الموجهة إليهم لا أساس لها من الصحة، على الرغم من أن بعض تلك التهم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

تولى المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام والذي يكرس جهوده لمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب وتعزيز احترام حقوق الانسان في السودان وهو ما أدى بالسلطات الرسمية إلى طرده خارج السودان، تقديم قضية اختفاء الشاب محمد وآخرين أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري.

 

المئات وربما الآلاف يقبعون في الحجز بمعزل عن العالم الخارجي في ظروف مريعة

اختفاء 500 شخص في الخرطوم

ظلّ فولكر تورك مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان في السودان يدعو مراراً وتكراراً إلى ضرورة انهاء الحرب الكارثية التي يدور رحاها في السودان والتي راح ضحيتها الألاف من القتلى علاوة على تشريد ونزوح الملايين بالإضافة الى ارتفاع إحصائية حالات العنف الجنسي.

وأوضح السيد/ فولكر في معرض حديثه إلى مجلس حقوق الانسان في 12 سبتمبر بأنه قد تمّ الإبلاغ عن اختفاء ما لا يقل عن 500 شخص في الخرطوم وحدها منذ اندلاع القتال الدائر.

وقد وصفت أسماء من خلال تسجيل فيديو مخاطبة فيه لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، شقيقها محمد بأنه شاب خلوق لا شأن له بأمور الدولة وليس له أي توجه سياسي. وسلطت الضوء على حالة الحزن والبؤس التي خلفها اختفاؤه على أفراد اسرته وعلى وجه الخصوص والده.

قالت أسماء: “ان هناك عدد كبير جداً من حالات الاختفاء منذ اندلاع هذه الحرب. ولا تملك اسر أولئك المختفين أي أخبار عنهم ولا وسيلة تواصل معهم لدرجة أنهم لا يعلمون حتى إذا ما كانوا أحياء أم لا”.

وقد كان من المفترض أن تسافر أسماء إلى جنيف لمخاطبة اللّجنة مباشرة ولكن حال إغلاق مطار الخرطوم بسبب الحرب دون ذلك. كما لم تتمكن أيضاً من تقديم افادتها إلى اللّجنة مباشرة عبر الانترنت بسبب ضعف الشبكة. وانتهى بها الأمر إلى تسجيل افادتها بالفيديو.

أوضح عضو اللّجنة السيد/ مطر ديوب أن السودان انضم في 2021 إلى قائمة الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي يلزم مقتضاها الدول بالبحث عن الأشخاص المختفين والتحقيق في شأن اختفائهم وتقديم المسئولين عن ذلك إلى المحاكمة وتأمين الدعم والمساعدة للضحايا وذويهم.

وبموجب التفويض الممنوح لها، يحقّ للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري طلب إجراء عاجل من أي دولة من الدول الأطراف باتخاذ كافة التدابير الضرورية بالبحث عن الشخص المختفي وتحديد مكانه والتحقيق بشأن اختفائه.

وسائط التواصل الاجتماعي

لجأت أسماء مثلها مثل الكثيرين غيرها إلى البحث من خلال وسائط التواصل الاجتماعي. ومع بلوغ الحرب شهرها السابع، أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي في السودان ومن ضمنها احدى منصات الفيسبوك والتي تدعى مفقود (Missing) تدعم بالمنشورات الصادرة من الأهل والأقارب الذين حار بهم الدليل للحوصل على أي معلومات من شأنها أن تقودهم إلى أماكن اختفاء أحبتهم.

وتتراوح أساليب الإبلاغ حالات الاختفاء بين منشور بوضع عبارة موجزة تفيد بالاختفاء مع رقم هاتف على صور فوتوغرافية أو منشور يفيد بأن ان عبدو الذي يعاني من حالة الزهايمر قد اختفى من منزله وهو يرتدي جلابية رمادية اللون أو منشور آخر يعرض صورة لشاب مبتسم لا تزال تبدو عليه ملامح الطفولة اسمه عثمان يبلغ من العمر 18 عاماً اختفى برفقة أربعة من أصدقائه. أو منشور آخر يبلغ عن حالة مبارك البالغ من العمر 31 عاماً والذي اختفى خلال فترة العيد مع مناشدة مفادها: “على من يتعرف عليه الاتصال بهذا الرقم..” وغالبا ما تكون مثل تلك المنشورات مذيلة بالدعوات وتحمل رسم قلب تعبيري.

والآن أصبح محمد شقيق أسماء نموذجاً ورمزاً للأمل حيث تمّ وبعد مضي خمسة أشهر من تاريخ اختفائه التأكّد من أنه لا يزال على قيد الحياة والتعرّف على مكان احتجازه في مدينة الخرطوم بحري. لكن وحفاظاً على سلامته أمسكت اسرته عن التفاصيل الخاصة بحالته أو عن الجهة التي تحتجزه.

وطالبت أسماء لدى مخاطبتها اللّجنة بعدم تعريض الأشخاص للاختفاء القسري أو تعريض أسرهم إلى تلك التجارب المريرة التي تكابدها في ظل غيابهم واختفائهم.

“أتمنى اصدار قانون لتجريم كافة أشكال الممارسات المرتبطة بحالات الاختفاء القسري، والا يكون لأي جهة أو شخص الحق في ممارستها أو المشاركة فيها.”

المصدر: موقع الأمم المتحدة لحقوق الانسان: حالات الاختفاء القسري وغير الارادي:

(https://www.ohchr.org/en/stories/2023/11/war-torn-sudan-sisters-search-disappeared-brother )