الأحد , ديسمبر 22 2024
enar
shutterstock_219252121

الاستهداف المنظم والتضييق على نشاط المؤسسات المسيحية بالسودان

 طيفور الامين

في 21 ديسمبر 2010 أعلن الرئيس السوداني عمر البشير في خطابه في عيد الحصاد بمدينة القضارف شرق السودان بتغيير الدستور اذا انفصل الجنوب، وقال “أن عهد الدغمسة قد ولى وأنهم سوف يعدلون الدستور وسوف تكون الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع، والاسلام هو الدين الرسمي للدولة واللغة العربية هي اللغة الرسمية”، وفي ذأت السياق ذكر وزير الارشاد والاوقاف الفاتح تاج السر في تصريح صحفي “أنهم لن يسمحوا ببناء كنائس جديدة” وفي 3 يناير 2012م ارسل وكيل وزارة الأوقاف حامد يوسف ادم رسالة تحذيرية للكنيسة الانجيلية وهدد القائمين على أمر الكنيسة بالإعتقال اذا قاموا بأي نشاط تبشيري.

بعد انفصال جنوب السودان بدأ التضييق على الحريات وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلميين ووضع العراقيل على النشاط المسيحي بشكل خاص في السودان، وإستمرت الحكومة السودانية على مدار ستة سنوات بعد انفصال جنوب السودان في التضييق على الحريات واضطهاد المسيحيين واستهداف الكنائس عن طريق الإغلاق وإزالة بعض الكنائس بحجة التخطيط وعدم الحصول على التصديق، بالاضافة للقيود التي تضعها الحكومة السودانية مقابل الحصول على تصريح لبناء كنيسة وذلك تماشياً مع تصريحات الرئيس في القضارف ومن بعده وزير الارشاد القاضي “بأن السودان دولة اسلامية ولن يسمحوا ببناء كنائس جديدة” وتواصلت المضايقات عن طريق استهداف المسيحيين وترويعهم بالاستدعاءات والاعتقالات بواسطة الاجهزة الامنية وتلفيق التهم والمحاكمات الغير العادلة، بالاضافة الى الترويع والارهاب الذي فرضه النظام، واجبار بعض القساوسة من المسيحيين الاجانب على مغادرة البلاد، ورصدنا بعض الحوادث التي تؤكد أن الحكومة تقوم بعمل منظم يستهدف المسيحيين السودانيين بشكل نمطي متكرر.

في تقرير نشرته جريدة حريات اعلنت طائفة كنيسة المسيح عن تعرضها لحملة مصادرات تعسفية نفذتها السلطات عن طريق المصادرة لممتلكاتها وإزالات لدورالعبادة التي تتبع للمسيحيين، وحسب التقرير أن هنالك بيان نشر في سودانتربيون يحمل إسم رئاسة مجمع كنيسة المسيح السودانية “أن طائفة كنيسة المسيح السودانية مرت خلال السنوات الماضية بظروف قاسية تمثلت في التضييق على حرية العبادة من خلال المعوقات والعراقيل التي تواجه الطائفة فيما يتعلق بتخصيص وإمتلاك قطع الاراضي التي تستخدم لأغراض العبادة في كافة ولايات السودان” واشار البيان إلى عدد من حملات الإزالة التي تعرضت لها دور الكنائس بالخرطوم منذ سنوات آخرها إزالة كنيسة المسيح السودانية بسوبا مربع (7)، على يد قوة نظامية تتبع لجهاز حماية الأراضي بوزارة التخطيط والتنمية العمراني بولاية الخرطوم، وفي بيان آخر نشرته صوت الهامش صادر عن منظمة أرسالية اسرة النوبة المسيحية حول أستمرار السلطات الحكومبة في اعتقال رجال دين مسيحيين وأغلاق عدد من المدارس والمعاهد ومراكز التدريب التي تتبع لمؤسسات كنسية، من ضمنها معهد لايف لتعليم اللغة العربية، معهد كريدو لتعليم اللغة الانجليزية، مدرسة نايل فالي، معهد اصلان لتعليم اللغة الانجليزية، وفي تقرير آخر نشرته العديد من المواقع الالكترونية، أن في 7 يوليو 2016م أعتقلت قوات الشرطة 19 مسيحياً من داخل كنيسة بحري الانجيلية، وتم الاعتقال بناءً على اعتصامهم داخل الكنيسة احتجاجاً على قرار ازالة كنيسة بحري الانجيلية، وفي 21 اكتوبر 2016م ازالة السلطات السودانية مبنى الكنيسة الانجيلية اللوثرية بامدرمان الثورة الحارة 29، وتأسست الكنيسة الانجيلية اللوثرية منذ 1982م وتم تسجيلها في 1992م.

في 21 ديسمبر 2014 اعتقلت السلطات الأمنية القس يات مايكل بعد خطبته في الكنيسة الانجيلية ببحري التي صدر قرار بمصادرة ممتلكاتها وإزالتها، ودعا القس يات في خطبته للمصليين البقاء اقوياء في وجه حملة الملاحقة والاضطهاد، وداهمت السلطات في نفس اليوم الكنيسة الانجيلية وهدمت اجزاء منها واغلقت سكن القساوسة، واعتقلت معهم 27 من المصليين الذين احتجوا على قرار مصادرة ممتلكات الكنيسة.

في 6 اكتوبر 20016م اعتقلت السلطات السودانية 9 مسيحيين من ضمنهم القس صمويل سليمان مدير مدرسة الاساس الانجيلية بودمدني والقس زكريا اسماعيل ومعهم 7 معلمين يعملون بمدرسة الاساس الانجيلية بود مدني، وتم اعتقالهم بحجة رفضهم تسليم مدرسة الاساس الانجيلية التي تم تشييدها منذ 1901م وتمتلكها الكنيسة الانجيلية، وحسب مديرها صامويل أن المدرسة بها حوالى 1000 طالب، وتم فتح بلاغ جنائي ضد المعتقلين بحجة اعتراض السلطات القانونية اثناء اداء مهامها، واحتجازهم لمدة اربعة ايام وبعدها اطلق سراحهم بعد دفع 30.000 جنية كضمان ما يعادل 4.870 دولار امريكي.

في ١٥يوليو ٢٠١٤م تمت إزالة كنيسة المسيح السودانية بواسطة السلطات السودانية التي أنشئت منذ العام 1983م بمنطقة طيبة الاحامدة بالخرطوم بحري، وحسب السلطات أن الإزالة تمت بحجة عدم التصديق، مع العلم أن الكنيسة لها أكثر من 34 سنة، وحسب ادارة الكنيسة أن الكنيسة تقدم خدمات لإكثر من أثنين الف مسيحي في المناسبات الكبيرة جميعهم من النازحين من جبال النوبة.

وقال القس سانتينو مورينو آمين عام المؤتمر الكاثوليكي لشبكة الأخبار الكاثوليكية أن جهاز الامن استدعاه ومعه مايكل فلوري فرنسي الجنسية وحسام مصري الجنسية، وطلب منهم مغادرة البلاد ومنحهم ثلاثة ايام مهلة لمغادرة البلاد، وحسب افادته أن السلطات الامنية لم تقل لهم اسباب الطرد، مع العلم أنهم أعضاء في جمعية البيت المسيحي ويعملو في النشاط الخيري مع الاطفال في العاصمة الخرطوم، وايضاً احرق اسلاميون متطرفون مبنى كنيسة الانجيلية اللوثرية بأم درمان في 28 يونيو 2011م، وفي 15 يناير 2012م بولاية النيل الابيض، وتم اختطاف القس جوزيف ماكوي والقس سلفستر موقا من المجمع الكنسي بمدينة ربك.

في ديسمبر 2015م اعتقلت السلطات السودانية كل من القس بيتر جاسيك، القس حسن كودي، والمهندس عبد المنعم عبدالمولي بحجة التجسس ونشر الفتن، وبدأت المحاكمة في اغسطس 2016 بعد احتجاز دام لأكثر من ثمانية اشهر من دون تقديمهم للمحكمة، وحكمت عليهم محكمة الانقاذ بالخرطوم شمال بأحكام سجن متفاوتة، وادانت محكمة الانقاذ القس التشيكى / بيتر جاسك بتهم التجسس ونشر معلومات كاذبة واثارة الكراهية بين الطوائف، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة وبالغرامة 100 مليون جنيه، وتم اطلاق سراحة بعد أن تدخلت الحكومة التشيكية، بينما اطلقت المحكمة سراح القس كوة شمال في يناير 2017م بعد أن شطبت المحكمة الاتهامات ضده لعدم كفاية الأدلة، وحكمت المحكمة على القس حسن عبد الرحيم كودى والناشط الدارفورى عبد المنعم عبد المولى بالسجن 12 عاماً بتهمة الاشتراك الجنائي، ومازالا رهن الاحتجاز. وترجع تفاصيل القضية الى قيامهما بدفع مبلغ 5000 دولار لعلاج الطالب عمر على من اقليم دارفور الذي اصيب في مظاهرات سبتمبر 2013م.

نشرت صحيفة حريات في 8 مارس 2017 خبر عن منع السلطات الامنية القس مبارك حمد بعدم الحديث عن ازالة الكنائس واضطهاد المسيحيين، وحسب الخبر أن رئيس مجلس الكنائس السوداني في مؤتمر صحفي طالب الحكومة السودانية بمراجعة قرار ازالة الكنائس، وبعدها تم استدعائه بواسطة جهاز الامن، وطلب منه عدم الحديث عن إزالة الكنائس والاضطهاد الذي يواجهه المسيحيين في السودان.

كما نشر موقع صحيفة الطريق الالكترونية في 4 فبراير 2017م تقرير عن إزالة 27 كنيسة في مناطق مختلفة بولاية الخرطوم، وحسب قرارين بالرقم (2015/78 2016/214) الصادر من مدير عام مصلحة الاراضي بولاية الخرطوم والذي قضى بإزالة 27 كنيسة بحجة تعدي الكنائس على الميادين العامة وعدم الحصول التصديق وغيره من الحجج التي اشار اليه مدير عام مصلحة الاراضي، وبصورة عامة تم رصد العديد من الانتهاكات التي تمت بشكل واسع على المسيحيين وانشطتهم.

أستخدمت الحكومة السودانية استراتيجية جديدة عن طرق دفع اللجان الشعبية بالاحياء الموالية للحكومة للمطالبة بازالة الكنائس، ومن جانب آخر بحجة عدم التصديق والتعدي على الميادين والمواقع العامة، ويعمل النظام الحاكم على اسلمة الدولة بالقوة بعد انقلاب 1989 يوينو، واعلان الدولة الاسلامية وتطبيق قوانيين الشريعة التي تدفع الدولة نحو الاسلمة بالقوة، وهذا يعتبر انتهاك للحرية الدينية التي كفلها الدستور السوداني والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الحكومة السودانية، فبالتالي ما تقوم به الحكومة من انتهاكات مخالفاً لالتزاماتها وفقاً للدستور (المادة 6) واتفاقيات حقوق الانسان.

تعتبر قرارات الإزالة والمصادرة واغلاق الكنائس انتهاك للمادة 6 من الدستور السوداني الذي ينص على حرية الدين والمعتقد وامتلاك دور ممارسة العبادة والمادة 43 (2) من الدستور السوداني الذي يمنع نزع الملكية إلا بموجب حكم قضائي بالقانون وللمصلحة العامة مقابل تعويض عادل وفوري.

تعمل الحكومة السودانية بمعايير مذدوجة، ففي الدستور وبعض المنابر تعترف الحكومة بالحقوق بل وتدعي الحكومة بالتسامح الديني وكفالة الحريات الدينية واقامة دولة المواطنة، كما يظهر عادةً في شهر رمضان بمشاركة الافطارات التي تقيمها عدد من الطوائف المسيحية ويدعى فيها الرئيس ومسؤولين في الدولة لكي تعكس التسامح الديني، ومن جانب اخر تعمل الحكومة بشكل رسمي وعملي على التضييق واستهداف المسيحيين ودور العبادة التي تتبع للمسيحيين، وتشجع الجماعات المتطرفة على استهداف المسيحيين.

هذه الأزدواجية الغرض منها ارضاء جماعات الهوس الديني، ومن جانب آخر مواصلة الحصول على الدعم المالي من الاخوان المسلمين والجماعات الوهابية، مع العلم أن مصدر الدعم الاساسي للنظام هي جماعة الاخوان المسلمين التي تتخذ الدوحة مقراً لها، وأيضاً ياتي دعم مقدر باسماء جماعات وهابية من المملكة العربية السعودية  وهو المصدر الثاني الذي يدعو للانغلاق الديني الذي يحظر الآخر ويصد كل من يحمل دين مختلف، وتعمل جماعات اسلامية مختلفة من ضمنها انصار السنة، داعش، الصحوة، الاخوان المسلمين، وغيرها من الطوائف التي تدير انشطتها بشكل علني في المؤسسات التعليمية وغيرها من الاماكن العامة التي تدعو الى دولة الخلافة وتبيح دم الانسان بحجة الاسلام والدفاع عن الدين الاسلامي.