الخميس , نوفمبر 21 2024
enar
PHOTO-2023-07-05-20-47-00-660x330

السودان: تدهور خدمات الرعاية الصحية مع احتدام النزاع المسلح بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور

يشعر المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بقلق عميق إزاء العنف الذي يتعرض له قطاع الرعاية الصحية وإعاقة الخدمات التي يقدمها مع اشتداد وتيرة الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور. حيث تم إغلاق تسعة مستشفيات حكومية على الأقل اغلاقا كاملاً ونهب سبعة مرافق طبية وتدمير العديد من المعدات والأجهزة الطبية. فعلى سبيل المثال، تعرض مستشفى الطويلة في شمال دارفور للنهب وجرى تدمير سيارة الإسعاف الخاصة به. هذا بالإضافة إلى النقص الحاد في عدد أفراد الطاقم الطبي حيث اضطر العديد منهم إلى الفرار من المنطقة في أعقاب احتدام المعارك وارتفاع حالات حوادث القتل والاختطاف والاعتقالات التعسفية للعاملين في المجال الطبي. ويسعى المركز خلال هذا التقرير الى دراسة وتوثيق حالة القطاع الصحي في مختلف ولايات دارفور منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في 15 أبريل 2023.

ولاية غرب دارفور

منذ 29 أبريل 2023، تمّ اغلاق خمسة مرافق طبية في مدينة الجنينة تماما، بما في ذلك مستشفى الجنينة، ومستشفيات شاكرين والرحمة والسلطان والبرهان.

وفي 28 يونيو 2023، اختطفت مجموعة من 14 مسلحا عربيا كانوا يقودون سيارات لاندكروزر، الدكتور عبدالرحمن عابدين، وهو طبيب من حي الامتداد في الجنينة غرب دارفور واقتادته إلى مكان مجهول.

ولاية جنوب دارفور

في مدينة نيالا أغلقت خمسة مراكز طبية بما فيها مستشفى نيالا تماما. مع العلم بأن مستشفى نيالا ظل ومنذ اندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يعمل بشكل جزئي قبل أن يتم إغلاقه تماما في يونيو 2023 في أعقاب نزوح الطاقم الطبي. وعلى الرغم من خروج المستشفى عن العمل وتوقفه بالكامل الا انه لوحظ في كثير من الأحيان تواجد جنود القوات المسلحة السودانية به.

كما شمل الاغلاق الكامل العديد من المؤسسات الطبية الأخرى في مدينة نيالا، مثل مستشفى الشيخ موسى ومستشفى يشفين ومركز التضامن الطبي ومركز السد العالي الطبي الذي تحتله حاليا قوات الدعم السريع. ومما يجدر ذكره أنه واعتبارا من تاريخ 4 يوليو 2023 نفذ مخزون أدوية داء السكري من كامل القطاع الطبي في جنوب دارفور.

ولاية شرق دارفور

على الرغم من بقاء المؤسسات والمرافق الطبية في ولاية شرق دارفور مفتوحة على المستوي الشكلي، إلا أنها تفتقر إلى وجود الكوادر الطبية والعاملين المنوط بهم تقديم خدمات الرعاية للمرضى نظرا لفرار العديد منهم إلى خارج الولاية بسبب استمرار المعارك والاشتباكات المسلحة. كما تعاني تلك المؤسسات والمرافق الصحية في ذات الوقت من مشكلة النقص الكبير في الإمدادات ذات العلاقة.

ولاية شمال دارفور

نظرا لوجود ولايتي وسط وشمال دارفور تحت سيطرة قوات الدعم السريع مع تمركز القوات المسلحة السودانية فقط في كل من كتم وطويلة، فقد أثر ذلك سلباً على القطاع الطبي. حيث تمّ اغلاق المرافق الطبية في كل من طويلة وكتم تماما، في حين بذلت السلطات المحلية في الفاشر الكثير من الجهود للابقاء على مستشفى الفاشر للنساء قيد التشغيل. كما تم إغلاق مستشفيات أغرا ونبض الحياة الخاصة حيث أن كلاهما يقع في مناطق الاشتباكات وتبادل النيران.

وأدى تدمير سيارة الإسعاف الخاصة بمستشفى الطويلة، إلى إعاقة 20 مصاباً كانت حالاتهم تتطلب سرعة ايصالهم إلى المستشفى، وعوضاً عن ذلك جرى نقلهم إلى مركز أطباء بلا حدود الواقع في منطقة فانجا حيث تلقوا الرعاية الطبية، وتبعاً لذلك غادر 14 منهم في وقت لاحق، بينما مازال الستة الاخرون يتلقون الرعاية الطبية بالمركز. في 18 يونيو 2023 وفي حوالي الساعة 07:00 مساء، ألقت المخابرات العسكرية في الفاشر القبض على الدكتور برهان إبراهيم علي من أمام مستشفى الفاشر الشمالي.

ولاية وسط دارفور

ظل مستشفى زالنجي في ولاية وسط دارفور يعمل جزئيا على الرغم من القصف الجوي الذي شنته القوات المسلحة السودانية على المدينة خلال الاشتباكات وتبادل إطلاق النار مع قوات الدعم السريع، إلى أن تمّ اغلاقها بالكامل في 26 يونيو 2023، بعد أن تعرض للنهب من قبل الميليشيات العربية المسلحة.

وتمثل هذه الحملة العنيفة الموجهة ضد القطاع الصحي واعاقته من لعب الدور المنوط به وتقديم المساعدة الطبية الحيوية للجرحى المدنيين انتهاكا للقانون الإنساني الدولي من جانب كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وفي هذا السياق فإننا نناشد الطرفين لوضع حد لتلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها القطاع الصحي حتى يتمكن القطاع من تقديم الخدمات الصحية والطبية وضمان حصول الجميع عليها دون عوائق. كما يدعو المركز القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى وقف عمليات الاحتجاز التعسفي للعاملين في الحقل الطبي، واخلاء مرافق المستشفيات والمراكز الطبية من الوجود العسكري، والسماح للجرحى والمصابين والمرضى بحرية الوصول إلى المرافق الصحية، والسماح للعاملين بأداء مهام أعمالهم وتقديم الخدمات المطلوبة دون تدخل من جانب افراد القوات العسكرية.

خلفية

تدهور النظام الصحي في السودان منذ اندلاع النزاع المسلح في منتصف أبريل 2023. والذي تمّ على أثره خروج أكثر من 70% من المستشفيات والمراكز الطبية العاملة عن الخدمة واغلاق أبوابها بسبب استمرار الاشتباكات في مختلف ولايات السودان، بما في ذلك إقليم دارفور. وقد طال القصف ونيران الاشتباكات العديد من المستشفيات وتم اخلاء مستشفيات أخرى قسرا لاستخدامها كمواقع تمركز عسكري من قبل القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. بينما تواجه المستشفيات العاملة المتبقية نقصا في الإمدادات الطبية والكوادر الطبية في حين يستمر عدد الضحايا في الارتفاع. وأصبحت الظروف الراهنة تشكّل عائقاً كبيراً أمام المنظمات الإنسانية للوصول إلى الفئات المستهدفة وتقديم خدماتها.

ظلّ إقليم دارفور يعاني ومنذ عدة سنوات سابقة من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة، ومن ثم بدأ سكان الإقليم مؤخراً وبعد هدوء الأحوال نسبيا في العودة إلى ديارهم والاستقرار بوتيرة بطيئة. ولكن من المؤسف أن أسوأ مخاوفهم عادت إلى الحياة من جديد بفعل اندلاع الصراع المسلح الأخير الذي اتخذ بعدا عرقياً بين المكونات المجتمعية. وأدت الاشتباكات بين القبائل العربية وغير العربية إلى وقوع حوادث النهب والتدمير للممتلكات العامة والخاصة، وشمل ذلك حتى المدارس والمستشفيات. حيث خرجت العديد من المستشفيات ومراكز الخدمات الطبية عن الخدمة وأغلقت أبوابها في وجه المرضى وطالبي خدماتها، وأصبح المرضى مضطرين إلى قطع مسافات طويلة عبر مختلف أشكال العقبات للوصول إلى مرافق تقديم الخدمات الصحية والطبية العاملة التي لا تزال تجاهد لتظل مفتوحة جزئيا أمامهم.