منذ اندلاع النزاع المسلح في 15 أبريل 2023، في العاصمة السودانية الخرطوم، بدأ أعمال العنف في الانتشار في مناطق مختلفة، مما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين من الناس. وفي خضم الاضطرابات والدمار، يلوح خطر أقل وضوحا ولكنه كبير في الأفق على المدنيين من جميع الجنسين؛ ويتصاعد العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي هو مجموعة من الأفعال والسلوكيات الضارة التي تستهدف الأفراد على أساس نوعهم الاجتماعي، مما يسبب المعاناة البدنية والجنسية والنفسية والاجتماعية – الاقتصادية. ويشمل المصطلح طيفاً عريضاً من الأفعال، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الاعتداء الجنسي والاغتصاب والعنف المنزلي والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي.
وقد أغرقت الجيوش المتصارعة البلاد في حرب اهلية وحشية منذ ستة أشهر. حصدت أرواح أكثر من تسعة آلاف شخص وجرح الآلاف وتشريد أكثر من 5.7 مليون شخص داخل السودان وخارجه. كما أصبح ما لا يقل عن 25 مليون شخص يعتمد على المساعدات الإنسانية. واستمرت المعارك العنيفة في البلاد مع تركز في منطقتي دارفور والخرطوم ويشمل ذلك المناطق السكنية أيضاً.
وقد أكدت المنظمات النسائية المعنية بتوثيق جرائم العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي وقوع 124 حالة اغتصاب حتى أكتوبر 2023، ومن المرجح أن يصل العدد الفعلي إلى الآلاف. نظراً للتحديات التي تواجه جهود الحصول على بيانات موثوقة من ضعف الاتصالات الهاتفية، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وصعوبات في تتبع الناجين الذين فروا إلى البلدان المجاورة، والخوف من الانتقام الذي يعيق الناجين من الإبلاغ والتحدث. وتمارس قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي تحتل الأحياء المدنية في الخرطوم وأم درمان، معظم عمليات الاغتصاب الموثقة، وغالبا ما تستخدم العنف الجنسي كاستراتيجية وحشية لإجبار الناس على إخلاء منازلهم. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من أربعة ملايين امرأة وفتاة في السودان معرضات لخطر العنف الجنسي. كما وثقت مجموعات الحملات المعنية بحالات خطف نساء من قبل قوات الدعم السريع للحصول على فدية، بأنه غالبا ما يتعرض النساء المختطفات للاغتصاب أثناء الأسر. وتشير الشهادات إلى تورط قوات الدعم السريع في عمليات اغتصاب، بما في ذلك حوادث مزعجة لاعتداء على نساء أمام أسرهن. إن حجم هذه القضية يبعث على القلق، حيث تم توثيق العديد من الحالات، بعضها أدى إلى وفيات. وفي دارفور، يعكس نمط العنف الجنسي حرب الإبادة الجماعية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، حيث استهدفت الميليشيات العربية المعروفة باسم الجنجويد جماعات أفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
وقد عزز الصراع المستمر منذ سبعة أشهر ممارسات وجرائم العنف الجنسي من خلال قنوات مختلفة. فقد تورطت القوات المسلحة بشكل مباشر في الاغتصاب وغير ذلك من أشكال الاعتداء الجنسي، في حين يؤدي عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المتزايد إلى خلق الظروف المواتية لزيادة حالات الاستغلال الجنسي، والاتجار بالبشر، وغير ذلك من الانتهاكات. وفي الوقت نفسه، يؤدي انهيار نظم العدالة والرعاية الصحية وغيرها من النظم إلى تفاقم التحديات التي يواجهها الناجون في الحصول على الدعم.
تاريخ النزاع في السودان والعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس
ظل تاريخ السودان ومنذ عقود يرزح تحت وطأة النزاعات، وشهد العديد من النزاعات المسلحة والحروب الأهلية في مختلف أرجائه. وكان العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي يستخدم مرارا وتكرارا ضمن تلك النزاعات كإحدى أدوات الحرب خلال ذلك التاريخ المضطرب، الأمر الذي يعتبر سمة مثيرة للقلق العميق. وحتى بعد انفصال جنوب السودان، ظلّ السودان يعاني من ويلات النزاعات الداخلية في مناطق مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة. وتعمل هذه الصراعات على إدامة دورة العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس كوسيلة لتأكيد الهيمنة، وغرس الخوف، وتقويض المجتمعات. وخلال هذا النزاع الذي طال أمده، كثيرا ما تستخدم الفصائل المسلحة المختلفة العنف الجنسي والعنف القائم على النزاع الاجتماعي كسلاح حرب، بما في ذلك قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية والميليشيات المسلحة. وغالبا ما تهدف هذه الأعمال الشنيعة إلى تخويف السكان المحليين وإضعاف معنوياتهم، فضلا عن السيطرة على المناطق الغنية بالموارد. وكشف بيان صحفي صادر عن المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام حادثة وقعت في 13 فبراير 2023 حاول فيها ثلاثة من ضباط القوات المسلحة السودانية اغتصاب مريضة، مما يشير بوضوح إلى مدى خطورة الوضع.
إن أنماط العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في تاريخ النزاعات السودانية لا تعكس مدى هشاشة وضع النساء والفتيات فحسب، بل تعكس أيضا العواقب الأوسع نطاقاً للحرب على المجتمعات المحلية. لقد خلف العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس ندوبا عميقة، سواء على المستوى البدني أو النفسي، الأمر الذي أعاق جهود التعافي والمصالحة.
وعلى الرغم من الجهود الجارية تجاه معالجة العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان، والتي تشمل حملات التوعية والإصلاحات القانونية والعمل الإنساني. إلا أن إرث هذه النزاعات لا يزال قائما، مما يعرض الفئات الضعيفة من السكان لأهوال العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وفي إقليم دارفور، أستخدم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كوسيلة للتطهير العرقي والتدمير المنهجي للمجتمعات المحلية، وظل النساء والأطفال الأهداف الرئيسية. إن فهم هذا التاريخ المظلم يشكل ضرورة أساسية لبناء مستقبل أكثر سلاما وعدلا للسودان.
دور المنظمات المحلية والدولية في توثيق ضحايا العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس وتقديم الدعم لهم
اعتبارا من أغسطس 2023، سجلت منظمة مستقبل المرأة عدد 103 حادثة اغتصاب في جنوب وغرب دارفور. وفي 2 نوفمبر 2023، تلقى مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان تقارير موثوقة عن وقوع أكثر من 50 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالأعمال العدائية، وأثرت على ما لا يقل عن 105 ضحية، منها 86 امرأة ورجل واحد و 18 طفلا. وأفادت التقارير بأن ثلاثة وعشرين من هذه الحوادث شملت الاغتصاب حيث كان 26 من ضحايا الاغتصاب الجماعي وثلاثة من محاولات الاغتصاب. وتؤكد التقرير أنه تمّ تسجيل ما لا يقل عن 70 في المائة من حوادث العنف الجنسي مؤكدة، يعزى 37 حادثا منها إلى رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع، وثمانية إلى رجال مسلحين تابعين لقوات الدعم السريع، واثنتين إلى رجال يرتدون زيا غير محدد الهوية، وواحدة إلى القوات المسلحة السودانية. أما بقية الحالات فقد شملت رجالا لم يتم التعرف عليهم بعد. وزعم الناجون أنهم أخذوا قسرا من منازلهم على أيدي الجنود وتعرضوا للاعتداء الجنسي. وقيل إن آخرين تعرضوا للاغتصاب في منازلهم. كما تعرض آخرون للاغتصاب أثناء فرارهم من النزاع. فعلى سبيل المثال، في 22 مايو 2023، يزعم أن أربع نساء من جنوب السودان تعرضن للاغتصاب على الطريق بين الأبيض، عاصمة شمال كردفان، والدبيبات. وأنهن أخذون من الحافلة التي كانوا يستقلونها، واغتصبوا جماعيا على أيدي عناصر من قوات الدعم السريع، ثم أطلق سراحهم. وهناك أيضا عدد متزايد من عمليات الاختطاف والاغتصاب الجماعي في الخرطوم، تستهدف بشكل خاص الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 17 عاما، مع العديد من الحوادث الأخرى التي تورط فيها رجال مسلحون في زي قوات الدعم السريع. وعلاوة على ذلك، تفيد التقارير بأن رجالا يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع يستهدفون منازل اللاجئات الإريتريات والإثيوبيات في أم درمان والخرطوم بحري.
كما لم تسلم المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات والناشطات من العقاب. وقد تعرضن للاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب لترهيبهم ومنعهم من القيام بعملهم. وفي مايو 2023، أفادت التقارير باختطاف إحدى الصحفيات من منزلها في الجنينة على أيدي مجموعة مسلحة، وضربها حتى فقدت الوعي. ولدى استعادة الوعي، جاء ثمانية مسلحين إلى المكان المهجور الذي احتجزت فيه، واستجوبوها بشأن توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تعمل عليها، واغتصبوها. وفي 2 أغسطس 2023، أفادت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان بأن المدافعات عن حقوق الإنسان قد تعرن للتهديد مرتين بالاغتصاب والاغتيال في حال استمرارهن في الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وسعياً إلى تعويض النقص في أنظمة الدعم ، تقوم المنظمات النسوية المحلية بدور رائد في توفير الخدمات الحيوية، بما في ذلك المأوى والغذاء والماء والرعاية الصحية والدعم النفسي. ومن بين هذه المبادرات برنامج السلام من أجل السودان الذي يدعمه مكتب الأمم المتحدة النسوي في السودان. وتشمل هذه المنصة أكثر من 49 مبادرة ومنظمة تقودها النساء من جميع أنحاء البلد. وتشمل أولوياتها توفير الحماية والدعم النفسي للناجين من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وزيادة مشاركة المرأة في إحلال سلام مستدام. كما أنشأ المكتب القطري للأمم المتحدة للمرأة في السودان غرف لتوثيق ورصد ورفع مستوى الوعي حول العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات وأشكال العنف الأخرى القائم على النوع الاجتماعي. وقامت تلك الغرف بتنفيذ نظام إحالة الناجين، وقدمت مجموعة من الخدمات للناجين، بما في ذلك الدعم السريري والنفسي والقانوني.
ونظراً لأهمية التحقيق في هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. فانه يجب على السلطات السودانية أن تشرع في إجراء تحقيق مستقل ومحايد في إدعاءات الاغتصاب والتهديدات بالاغتصاب، من أجل العثور على الجناة ومحاكمتهم. ويشمل ذلك رفع الحصانة التي تمنحها القوانين الوطنية لمرتكبي الجرائم. كما يجب على السلطات تعيين مدع عام خاص للقضايا إذا رغب الضحايا في الشروع في محاكمة جنائية، في حين يجب على السلطات المحلية ضمان حماية الضحايا من الانتقام. ويجب على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية السماح للضحايا بحرية الوصول إلى خدمات إعادة التأهيل والدعم الإنساني.
وأخيرا، يجب على المجتمع الدولي أن يدين العنف الجنسي وأن يضغط على السودان لكي يصادق على البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا، وتفعيل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ليليان أجوك
موظف برنامج قانوني
المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام