يؤكد التاريخ الطويل للصراع في السودان حوجة البلاد الحيوية لسلام مستدام، لذلك يتطلع هذا السرد لإبانة الدور المتعدد الوجوه للمرأة السودانية مع التركيز على إمكاناتها كمحفز للتغيير الإيجابي في بناء سلام شامل ومستدام. وبما أن النساء يشكلن نصف سكان السودان، فإن مشاركتهن النشطة ليست مجرد مسألة مساواة ولكنها ضرورة استراتيجية.
نشاط المرأة في ظل الأزمات
للمرأة في السودان تاريخ غني من النشاط السياسي، وغالبًا ما تلعب أدواراً محورية في المنعطفات الحرجة. وعلى الرغم من مساهماتهمن الفاعلة، لم تحظ المرأة السودانية لا بالإعتراف الرسمي في العمليات السياسية أو التمثيل الموضوعي في الحكومات. وقد شهدت الأزمة الأخيرة منذ أبريل 2023 ردة فعل نسوية نشطة لمواجهة العنف، حيث تم تشكيل تحالفات وحركات مثل “نساء ضد الحرب”. وقد إستخدمت هذه المجموعات، التي تضم مناصرين بارزين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، وسائل التواصل الاجتماعي والمبادرات الميدانية لتوثيق إنتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الدعم الضروري للنازحين داخليًا.
التعاون الدولي من أجل السلام
مؤخرًا، شهدت القاهرة في نوفمبر 2023 لحظة مهمة في سعي المرأة السودانية من أجل تحقيق السلام ، حيث إجتمعت أكثر من 20 مبادرة وائتلافًا بقيادة المرأة من خلفيات متنوعة. ويهدف الإجتماع الذي نظمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ويونيتامس، ومبادرة إدارة الأزمات (CMI)، والسلام الشامل، إلى تعزيز التنسيق بين المجموعات النسائية. وقد وفر هذا الحدث منبراً لإستكشاف مفاهيم المناصرة وآليات التعاون والأنشطة المستقبلية. وأظهر التجمع إمكانات التعاون الدولي لرفع صوت المرأة السودانية عالياً من أجل السلام.
النساء في محادثات جوبا للسلام
شهدت الفترة الإنتقالية في السودان محادثات جوبا للسلام، وقد تم إقصاء المرأة السودانية في هذه المحادثات، والتي تمخض عنها إتفاق جوبا للسلام. وعلى الرغم من تضمُن الإتفاق بعض التمثيل للمرأة في النهاية، إلا أن إستبعادهن عن المفاوضات الرسمية كان تحدياً للنساء. تباينت شمولية إتفاق جوبا للسلام للنوع الإجتماعي عبر المسارات، حيث برز إتفاق دارفور بإعتباره الأكثر شمولاً للنوع الاجتماعي. إن التمثيل غير المنصف للمرأة في هذه المحادثات يؤكد الحوجة إلى الإدماج الحقيقي، وليس مجرد التمثيل الرمزي.
وجهات نظر تاريخية
إن التفكر بروية في عمليات السلام السابقة، مثل إتفاق سلام دارفور وإتفاق السلام الشامل لعام 2005، يوضح التأثير الناجح للمرأة. وفي دارفور، مكنت الدعوة الفعالة واستراتيجيات الاتصال والدعم الدولي النساء من صياغة أجندة مؤيدة للمرأة. ومع ذلك، فإن التنفيذ غير الكامل لأحكام اتفاق السلام الشامل في جنوب السودان أظهر التحديات المتمثلة في ترجمة الأطر القانونية إلى تغيير ذي معنى.
الإطار القانوني والتمييز بين الجنسين
وقد واجه الإطار القانوني المعقد في السودان، والمتجذر بعمق في تقاليد الشريعة الإسلامية، إنتقادات بسبب الممارسات التمييزية ضد المرأة. لذلك يثير عدم التصديق على بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا (مابوتو) وإتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) مخاوف بشأن الضمانات القانونية للمرأة. إن إحجام السودان عن تبني هذه الإتفاقات الدولية بشكل كامل يعيق التقدم في مجال الصحة الإنجابية، والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والمساواة الشاملة بين الجنسين. إن إعادة النظر في هذه الإتفاقات أمر بالغ الأهمية لمواءمة الإطار القانوني للسودان مع الالتزامات الإقليمية.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه، إلا أن الإمكانات الكاملة لمشاركة المرأة في عمليات السلام في السودان لا تزال غير محققة. ويتطلب التصدي لهذه التحديات بذل جهود متواصلة لتهيئة بيئة تساهم فيها المرأة بنشاط في تشكيل مستقبل السودان، وضمان مجتمع أكثر شمولاً وإنصافاً.
التوصيات
- زيادة تمثيل المرأة: ضمان التمثيل الموضوعي للمرأة في مفاوضات السلام، وإتاحة الفرصة لها للاضطلاع بدور فعال في تشكيل مستقبل السودان.
- الإصلاحات القانونية: التصديق بشكل عاجل على بروتوكول (مابوتو) وإضفاء الطابع المحلي على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) لتوفير الحماية القانونية الشاملة للمرأة، ومواءمة القوانين السودانية مع المعايير الدولية.
- الدعم الدولي: التعاون مع المنظمات الدولية لمواصلة الجهود في النهوض بحقوق المرأة، بما في ذلك برامج بناء القدرات.
- الوعي العام: تعزيز الوعي بمساهمات المرأة في السلام، والتصدي للصور النمطية والتحيزات التي تعيق مشاركتها النشطة.
- بناء القدرات: الإستثمار في مبادرات بناء القدرات لتمكين المرأة في المواقع القيادية والأدوار الدعوية، وضمان حصولها على المهارات والموارد اللازمة لإحداث التغيير.
كريستين كيرابو
مسؤول البرامج القانونية
المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام.