لم يتسم الصراع الحالي في السودان بالعنف والنزوح فحسب، بل تجاوزهما مخلفاً آثاراً من الدمار أمتدت لما هو أبعد من مجرد وقوع إصابات مباشرة. يغوص هذا التحليل الشامل عميقاً في التأثيرات العديدة على البنية التحتية الحيوية، مركزاً مع ذلك على إنتهاك القوانين الدولية التي تهدف لحماية المدنيين.
إستهداف المدارس: كان تأثير الحرب على التعليم مدمراً، حيث تم إغلاق ما لا يقل عن 10,400 مدرسة في المناطق المتضررة من النزاع، حيث كشفت اليونيسف في 9 أكتوبر 2023، أن ما يقدر بنحو 19 مليون طفل في السودان خارج خارج مقاعد الدراسة مع اقتراب الصراع الوحشي من شهره السادس. في وقت فقد فيه 6.5 مليون شخص إمكانية الوصول إلى المدارس بسبب تزايد العنف وإنعدام الأمن في مناطقهم، كما أن هنالك أكثر من 5.5 مليون طفل يقيمون في مناطق أقل تأثراً بالحرب في إنتظار أن تؤكد السلطات المحلية ما إذا كان من الممكن إعادة فتح الفصول الدراسية. صرحت السيدة مانديب أوبراين، ممثل اليونيسف في السودان، أن “السودان على وشك أن يصبح موطنًا لأسوأ أزمة تعليمية في العالم”. “لقد تعرض الأطفال لأهوال الحرب منذ ما يقرب من نصف عام. والآن، بعد أن أُجبروا على الإبتعاد عن فصولهم الدراسية ومعلميهم وأصدقائهم، أصبحوا معرضين لخطر الوقوع في الفراغ الذي سيهدد مستقبل جيل كامل”. يؤدي إغلاق المدارس إلى تعطيل تعليم ملايين الأطفال، ولا يحرمهم من الفرص الأكاديمية فحسب، بل يحرمهم أيضًا من المهارات الاجتماعية والعاطفية الأساسية اللازمة للتعامل مع العنف والصدمات. علاوة على ذلك، تعمل المدارس كمراكز للخدمات الحيوية مثل التغذية والرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، والتي يصبح الوصول إليها جميعًا غير ممكن في أوقات النزاع.
إنهيار البنية التحتية للرعاية الصحية: يعاني نظام الرعاية الصحية من حالة فوضى عارمة، مع توقف ما يقرب من 80٪ من المستشفيات عن العمل وذلك منذ مطلع أغسطس 2023. وأدت الهجمات المتعمدة على المرافق الصحية والمهنيين الصحيين إلى وقوع إصابات واسعة النطاق وعمليات إخلاء قسري. ومعلوم أن إنهيار البنية التحتية للرعاية الصحية يؤدي إلى تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية، كما يحرم الملايين من الوصول إلى الخدمات الطبية الأساسية. في ذات السياق أفاد أحدث تقرير عن الوضع الصحي في السودان، صدر في 26 أبريل 2023 عن اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أن أكثر من 19 مستشفى في الخرطوم والمدن المحيطة بها أُضطرت لإجلاء مرضاها. وإعتبارًا من 26 أبريل، توقفت 59 مستشفى من أصل 82 مستشفى في الخرطوم والمدن المحيطة بها عن العمل، وتم إطلاق النار على ست سيارات إسعاف على الأقل، بينما مُنعت أخرى من نقل الجرحى أو المرضى في حالة حرجة، كما قُتل ما لا يقل عن 12 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وطلاب العلوم الصحية. وحتى 22 أبريل، تبقى 15 مركزاً فقط قيد التشغيل من أصل 81 مركزاً للرعاية الأولية في ولاية الخرطوم. وخرجت ستة مراكز لغسيل الكلى من أصل 24 عن الخدمة.
تعطيل خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية: تسبب النزاع في خسائر جمة لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة. حيث إرتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية من 11 مليون (نوفمبر 2022) إلى 15 مليون (نوفمبر 2023). لقد أصبح من المتعذر الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي ومرافق النظافة، وهو ما يشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة.
القصف الجوي وأزمة المياه: تسبب القصف الجوي والذخائر المتفجرة في أضرار جسيمة لأنابيب المياه ومحطات المعالجة، مما أدى إلى نقص حاد في إمدادات المياه، حيث واجه أكثر من 300 ألف شخص في الخرطوم نقصًا في المياه بين أبريل وأكتوبر 2023. وأدى الضرر الذي أصاب البنية التحتية إلى أمداد متقطع من خدمات المياه، مما أجبر المدنيين لإستخدام مياه نهر النيل التي يحتمل أن تكون ملوثة.
إنتهاكات القانون الدولي: السودان طرف في طيف واسع من مواثيق حقوق الإنسان ذات الصلة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، وإتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. إن الاستهداف المتعمد للمدارس يمثل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية، بما في ذلك القرار 2601 (2021) الذي إعتمده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي ينص على حماية المدارس والمدنيين المرتبطين بالمدارس أثناء النزاعات المسلحة.
وأيضاً يشكل تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومرافق المياه، أثناء النزاع في السودان، انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي. إن أطراف النزاع ملزمة بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني بحماية المرافق الطبية والعاملين فيها وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية. إن الهجمات المتعمدة على المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية مدانة بشكل لا لبس فيه بموجب هذه الاتفاقيات الدولية. تشرح صحيفة الوقائع الصادرة عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان بشأن الحياد الطبي واجبات الدول والتزاماتها بموجب القانون الدولي باحترام التقديم المحايد للرعاية الصحية ومبدأ عدم التدخل في الخدمات الطبية في أوقات النزاعات المسلحة والاضطرابات المدنية. ويقع على عاتق الحكومات الالتزام بالحماية النزيهة للعاملين في مجال الصحة وتمكينهم من مداواة المرضى وعلاج المصابين دون تمييز.
في الختام، فإن الدمار الذي سببه الصراع في السودان لا يقتصر على الإصابات المباشرة ولكنه يمتد إلى البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والإحتياجات الأساسية مثل المياه. يؤكد هذا الانتهاك للمعايير الدولية الحاجة الملحة إلى تضافر الجهود لمعالجة الأزمة الإنسانية المتصاعدة، وحماية حقوق السكان المتضررين، وإعادة بناء الدولة المنهارة.
توصيات عاجلة
- الوقف الفوري لإطلاق النار: لوقف الدمار وتخفيف المعاناة، يجب على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وقف الأعمال العدائية والسماح للوكالات الإنسانية والعاملين بها من دعم الشعب السوداني، وتمكين العاملين الطبيين من الوصول إلى المستشفيات وإيصال الإمدادات الطبية الحيوية للمدنيين.
- الامتثال للقانون الدولي: يعد الالتزام بالعهود القانونية الدولية المنصوص عليها في إتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2286 أمرًا ضروريًا.
- المرور الآمن للإمدادات: ضمان المرور الآمن للإمدادات الحيوية إلى المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ووحدات غسيل الكلى، بما في ذلك المياه والطاقة والغاز و أسطوانات الأوكسجين.
- حماية المدارس: الالتزام الصارم بالمعايير الدولية لحماية المدارس والمدنيين المرتبطين بالمدارس، وفقًا لما نص عليه القرار 2601.
- وقف إستهداف المدارس: يجب على جميع الأطراف التوقف فوراً عن إستهداف المدارس وضمان حماية المؤسسات التعليمية والمدنيين المرتبطين بها.
- تنفيذ القرار 2601: التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2601 الذي يؤكد على حماية المدارس وشاغليها أثناء النزاعات المسلحة.
شارون آشا
مسؤولة برامج (الرصد والتوثيق)
المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام.