1 نوفمبر 2013
السادة المفوضون،
هناك حاجة عاجلة إلى بعثة تقصي حقائق للتحقيق في عمليات قتل واعتقال بواسطة قوات الأمن في السودان.
تكتب إليكم المنظمات الموقعة أدناه تعبيراً عن قلقها العميق إزاء عدم اتخاذ أي إجراء أو الإدلاء بأي تعليقات من جانب المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب والاتحاد الأفريقي تجاه الأحداث الأخيرة في السودان، بما في ذلك مقتل 170 على الأقل، من المحتجين واعتقال ما يزيد على 800 آخرين والتضييق على وسائل الإعلام. خطورة الوضع في السودان تتطلب استجابة سريعة ومنظمة من المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. إذ بوصفها المؤسسة الرئيسية المعنية بحقوق الإنسان في القارّة من الواجب أن تدين المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الاستخدام المفرط وغير المناسب للقوة ضد المحتجّين وتشجب القيود المفروضة على الحريات الأساسية والمدنية في السودان.
يجب أن ترسل المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق في هذه الانتهاكات وأن تناشد الحكومة السودانية بالوقف الفوري لأي انتهاكات أخرى. إذ من الممكن تنظيم إجراء مثل هذا التحقيق بالتعاون الوثيق مع لجنة الاتحاد الأفريقي العالية المستوى وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة.
نناشد المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب باتخاذ خطوات سريعة لحماية حقوق الإنسان والشعوب في السودان، لا سيما وأن السودان من الدول الموقعة على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. فهذا الميثاق يشتمل على ضمانات تتعلق بالحق في الحرية وحرية التعبير والمعلومات وحرية التجمع والتنظيم بموجب المواد 6 و9 و10 و11، علماً بأن رد الحكومة السودانية على المحتجين كان بمثابة انتهاك لهذه الالتزامات. كما أن الحكومة السودانية لم تبد ما يشير إلى استجابتها للمناشدات بإجراء تحقيق عاجل ومستقل ومحايد في الأحداث التي صاحبت الاحتجاجات الأخيرة.
يجب أن تتضمن نتائج أي تحقيق يتم إجراؤه توصيات إلى الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق باضطلاعه بمسؤولياته كما وردت في القانون التأسيسي لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في السودان، وتعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد وتعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب.
رد الحكومة على المظاهرات
قابلت سلطات الأمن السودانية المظاهرات التي اندلعت في مختلف أنحاء البلاد، ابتداء من 23 سبتمبر، باستخدام عنف مفرط. ولجأ كثير من المحتجين إلى العنف، إذ أضرموا النار في محطات المحروقات وأقسام الشرطة، كما رشقوا قوات الشرطة والأمن بالحجارة. وأطلقت قوات الأمن الحكومية، بما في ذلك قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني وشرطة الاحتياط المركزي، الذخيرة الحية على المحتجين وضربتهم بهراوات مطاطية وأطلقت أيضاً الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات.
وكانت أولى المظاهرات قد اندلعت إثر إعلان الحكومة في 22 سبتمبر عن رفع الدعم عن الوقود وسلع أخرى. وباتساع رقعة المظاهرات في مختلف المدن ازداد عدد القتلى والمعتقلين.
وفيما لا يُعرف على وجه التحديد عدد القتلى نتيجة تلك الأحداث، فإن جماعات حقوقية سودانية أفادت بأن عدد القتلى بلغ 170 شخصاً على الأقل، وقالت نقابة الأطباء إن عدد قتلى المظاهرات وصل إلى 210 أشخاص. ووفقاً لإفادات شهود عيان، فإن غالبية حالات القتل كانت ناتجة عن إصابات بالرصاص في الجزء العلوي من الجسم وفي الرأس، الأمر الذي يؤكد الاستخدام غير المناسب للقوة ضد عشرات المحتجين.
وكانت السلطات السودانية قد أغلقت منذ اندلاع المظاهرات عدداً من الصحف ووسائل الإعلام، كما منعت الصحفيين من الكتابة عن هذه الأحداث، وأصدرت السلطات أيضاً تعليمات صارمة لرؤساء تحرير الصحف حول المعلومات المسموح بنشرها حول الاحتجاجات.
وقام جهاز الأمن والمخابرات الوطني باستدعاء المدير الطبي لمستشفى امدرمان إثر حديث أدلى به للتلفزيون العربي بهيئة الإذاعة البريطانية حول عدد الضحايا الذين تم نقلهم إلى المستشفى. كما اعتقلت السلطات أيضاً رئيس نقابة الأطباء السودانية بضع ساعات في 5 أكتوبر بعد أن أدلى بتصريح علني قال فيه أن عدد القتلى وصل إلى 210 أشخاص وفقاً لمعلومات من نقابة الأطباء.
وقال المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام إن الشرطة وسلطات جهاز الأمن والمخابرات الوطني 800 شخصاً على الأقل منذ اندلاع المظاهرات في 23 سبتمبر 2013. وشملت الاعتقالات عشرات الناشطين السياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين ومحامين وناشطين شباب، تم اعتقالهم من منازلهم ومن أماكن عملهم أيضاً.
استخدمت السلطات قانون الأمن الوطني لسنة 2010 في احتجاز الأشخاص الذين جاهروا بآرائهم أو حاولوا توثيق الانتهاكات التي حدثت. وبموجب هذا القانون يجوز للسلطات احتجاز المعتقلين لفترة أربعة شهور ونصف الشهر من دون تهمة أو محاكمة، كما انهم عادة ما يخضعون للحبس الانفرادي من دون أن يُسمح لهم بزيارات من أسرهم أو مقابلة محامين، الأمر الذي يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، ما يزيد من مخاطر تعرض المعتقلين للتعذيب أو سوء المعاملة خلال اعتقالهم. وهناك قلق بالغ إزاء سلامة عشرات المعتقلين الذين لا يزالون قيد الاحتجاز بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وغالبية هؤلاء غير مسموح لهم بزيارات من اسرهم أو الاستعانة بمحامين.
تم اعتقال 50 شخصاً على الأقل من الذين شاركوا في الاحتجاجات، ووجهت لهم السلطات تهماً تتعلق بارتكاب مخالفات للنظام العام وخضعوا لمحاكمات إيجازية لا تتوافق مع المعايير الدولية ولم تتوفر لهم خلالها حقوق التقاضي السليمة، كما صدرت أحكام بالجلد على بعضهم. ففي 24 سبتمبر 2013، على سبيل المثال، أدانت محكمة الجنايات المركزية بامدرمان ثمانية محتجين تم اعتقالهم خلال مظاهرة مساء اليوم السابق من حي العباسية بامدرمان، وتمت محاكمتهم بتهمة إثارة الشغب (المادة 67 من القانون الجنائي لسنة 1991) والإزعاج العام (المادة 77 من القانون)، واصدرت المحكمة على كل منهم حكماً بالجلد 20 جلدة والغرامة 200 جنيه سوداني. ولم يتوفر لهؤلاء أي تمثيل قانوني خلال إجراءات المحكمة وتم تنفيذ حكم الجلد فوراً.
الدور القيادي للمفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
تعكس انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في السودان على خلفية المظاهرات الأخيرة أزمة واسعة تتعلق بحقوق الإنسان في البلاد تتطلب اتخاذ خطوات منظمة وسريعة من جانب المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للأمم المتحدة. ونذكر هنا أن المفوضية أوردت في ملاحظاتها وتوصياتها الختامية لعام 2012 في تقريرها الدوري الرابع بواسطة السودان توصية بأن يقوم السودان “بتعيين لجنة مستقلة للتحقيق في كل عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري والتعذيب بواسطة الشرطة ونشر نتائج التحقيق”.
لا يمكن معالجة الأحداث المأساوية الأخيرة بمعزل عن الانتهاكات الخطيرة والواسعة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي تحدث بصورة يومية في مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك الهجمات المسلحة ضد المدنيين في مناطق النزاع المسلح في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما أن طلب المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب باتخاذ إجراءات مؤقتة إزاء الوضع في جنوب كردفان في نوفمبر 2011 لم يتم تنفيذه حتى الآن بواسطة الحكومة السودانية، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً للقاعدة 98 من قواعد المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الخاصة بالإجراءات اللازمة لـ”تبنّي إجراءات مؤقتة لمنع وقوع أذى على الضحايا لا يمكن معالجته.”
وكانت المفوضية قد اصدرت خلال العشرين عاماً الماضية العديد من القرارات التي تؤكد الالتزام بالسلام والأمن والعدالة والمحاسبة واحترام حقوق الإنسان الأساسية في السودان والقارة الأفريقية بصورة عامة. لعبت المفوضية دوراً قيادياً في أزمات حقوق الإنسان في السودان. فعلى سبيل المثال، اضطلعت المفوضية عام 2004 بمهمة تحقيق في دارفور لفتت انتباه الاتحاد الأفريقي إلى الأزمة وكانت مؤشراً على الدور الايجابي الذي يمكن أن تلعبه المفوضية.
لدى المفوضية تفويض واضح بإجراء تحريات لتقصي الحقائق. إذ يحق للمفوضية، بموجب المادة 45 من الميثاق الأفريقي، إجراء تقص حول ممارسات حقوق الإنسان وإطلاع الحكومات على آرائها وتوصياتها، والتعاون مع المؤسسات الأفريقية والدولية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب. كما أن المادة 46 من الميثاق تمنح المفوضية الحق في استخدام “أي وسيلة مناسبة للتحقيق.”
قامت المفوضية في يونيو 2013 بمهمة لتقصي الحقائق في جمهورية مالي بناءاً على طلب المجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي بفتح تحقيق حول أوضاع حقوق الإنسان في شمال مالي وتقديم توصيات ملموسة حول التدابير الواجب اتخاذها.
استناداً على التفويض الممنوح للمفوضية، نود أن نحثكم هنا على اتخاذ خطوة عاجلة بتشكيل وإرسال بعثة لتقصي الحقائق إلى السودان للتحقيق في مقتل وجرح المحتجين وعمليات الاعتقال الجماعي في مختلف مدن البلاد، وهي أعمال تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان.
المركز الأفريقي لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان
المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام
مركز عمّان لدراسات حقوق الإنسان
منظمة آري لحقوق الإنسان والتنمية
منظمة الضمير العالمية، سيراليون
مشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي
معهد جنوب أفريقيا لحقوق الإنسان
هيومن رايتس ووتش
المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين
مشروع الحقوق الاجتماعية-السياسية والمحاسبة
كونسورتيوم السودان
This post is also available in: الإنجليزية