المحكمة الجنائية الدولية والسودان: أسئلة وأجوبة
باريس، كمبالا، 31 مارس 2015- بمناسبة مرور عشرة أعوام علي إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، السودان، ومرور ستة سنوات علي إصدار الأمر بالقبض علي الرئيس عمر البشير، تصدر الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام هذه الأسئلة والأجوبة بغرض مناقشة وتوضيح قضايا محددة.
قال أمير سليمان منسق البرنامج القانوني للمركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام ” في ظل عدم وجود الرغبة والقدرة لدي النظام العدلي السوداني في التحقيق والمقاضاة الجادة بشأن الجرائم الدولية التي أرتكبت في دارفور وبقية أنحاء السودان الأخري فلابد لمجلس الأمن من مساندة المحكمة الجنائية الدولية لتمكين الضحايا من الحصول علي العدالة “.
وقال كارم لاحدجي رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الانسان ” إن الإفلات من العقاب عن الجرائم الدولية في السودان قد شجع الجناة علي مواصلة الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان. مضيفا بأن لابد من وضع حد لذلك. ومشددا علي ضرورة أن يتعاون مجلس الأمن والمجتمع الدولي بشكل فاعل مع المحكمة الجنائية الدولية للمساعدة في القبض علي المشتبه بهم وتسليمهم “.
في 31 مارس 2005 تبني مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ( المتعلق بتهديد الأمن والسلم الدوليين ) القرار رقم 1593 مقترناً مع إستخدام سلطاته وفق المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية باحالة الوضع في دارفور، السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد إستند مجلس الامن في ذلك القرار بشكل أخص علي الخلاصة التي خرجت بها اللجنة الدولية للتحقيق والتي توصلت بعد تمحيص مستوي خطورة الجرائم المرتكبة في دارفور إلى أن يحال الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية.
بعد إستكمال الإستقصاءات الأولية أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 6 يونيو 2005 فتح التحقيق في الوضع في دارفور. ومنذ ذلك الحين ظل مكتب المدعي العام يباشر تحرياته وملاحقته للمشتبه بهم، وكانت نتيجة تلك التحريات أن أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أوامراً بالقبض علي أربعة مشتبه بهم من كبار المسؤلين في حكومة السودان بالإضافة إلى أحد قادة حركة العدل والمساوة.
وقد عقدت جلسات بشأن تأكيد التهم لأثنين من المشتبه بهم وكان أن تم إسقاط التهم عن أحدهم بينما تم تاكيدها ضد آخر وأصبح بذلك مطالباً بالمثول أمام المحكمة الجنائية للمحاكمة.
يقوم المدعي العام للمحكمة بتقديم تقرير دوري إلى مجلس الأمن الدولي عن حالة التحريات والملاحقات المتعلقة بالوضع في دارفور.
2- من هم المشتبه بهم الملاحقين من قبل المحكمة الجنائية الدولية حتي الآن؟
في 27 أبريل 2007 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمران بالقبض ضد كل من أحمد هارون الوزير السابق بوزارة الشئون الإنسانية الوالي الحالي لشمال كردفان وعلي كوشيب الذي يزعم أنه قائد مليشيا الجنجويد، وقد وجهت للرجلين تهم بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب كانت قد أرتكبت بدارفور في الفترة مابين أغسطس 2003 ومارس 2004 .
في مارس 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض علي الرئيس الحالي عمر البشير لإرتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وقد صدر بحقه أمراً آخراً بالقبض في 12 يوليو 2010 بتهمة الإبادة الجماعية. وبذلك قرر قضاة المحكمة الجنائية الدولية بأنه ” قد توفرت أسباباً معقولة للإعتقاد” بأن البشير مسؤول عن إرتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما يشمل القتل والإبادة والترحيل القسري للسكان والتعذيب والإغتصاب وشن هجوم متعمد ضد المدنيين من السكان والنهب. وكذلك بالنسبة لجريمة الإبادة الجماعية التي تشمل الإهلاك المتعمد كلياً أو جزئياً لمجموعات إثنية بتلك الصفة بالقتل إالحاق ضرر بدني أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة أوإخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
في 1 مارس 2012 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض علي عبد الرحيم محمد حسين الوزير الحالي لوزارة الدفاع ووزير الداخلية الأسبق وممثل الرئيس الخاص، لم يقبض عليه بعد.
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضا أمراً بلإستدعاء للمثول بحق ثلاثة من المشتبه بهم بتهمة إرتكاب جرائم حرب، يتبعون للجبهة المتحدة للمقاومة: وهم أبو قردة وعبد الله باندا ومحمد جربو. بعد إنتهاء جلسات تأكيد التهم بشأنهم والتي عقدت في أكتوبر 2009، لم يتم تأكيد التهم ضد أبو قردة. وفي وقت لاحق تم إلغاء الإجراءات في مواجهة محمد جربو إستناداً لأدلة وردت إلى المحكمة أشارت إلى وفاته. بعد إنتهاء جلسات تأكيد التهم في ديسمبر 2010 وبحضور المتهمين تم تأكيد التهم ضد عبد الله باندا، القائد الأعلي لحركة العدل واالمساواة ـ القيادة الجماعية، أحد مكونات الجبهة المتحدة للمقاومة، تم تأكيد التهم في مواجهته في 7 مارس 2011. وقد وجهت إليه ثلاث تهم بإرتكاب جرائم حرب في هجوم ضد بعثة حفظ السلام التابعة للإتحاد الافريقي في حسكنيتة، الموقع العسكري للمجموعة بدارفور، السودان وقد وقعت تلك الحادثة في مساء يوم 29 سبتمبر 2007. ومن أجل ضمان مثول المتهم أمام المحكمة والتي لم يحدد تاريخ انعقادها بعد، أصدرت المحكمة أمراً بالقبض عليه في 11 سبتمبر 2014. بتهمة إرتكاب جرائم حرب.
- لماذا إستغرق الأمر وقتاً طويلا؟ ما هي الأسباب التي تقف وراء بطء الإجراءات القضائية ؟
حتي تكون التحقيقات والملاحقات القضائية للجرائم الدولية حقيقية وشاملة ودقيقة، لا بد من إتاحة الوقت الكافي لإستكمال تلك الإجراءات، وخصوصا عندما تكون الجرائم التي يجري التحقيق بشأنها كانت قد أرتكبت أو ترتكب في مناطق نزاع. ومع ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية تحتاج أيضاً الى التعاون من قبل السلطات الوطنية والمنظمات الدولية إضافة إلى المنظمات الوطنية.
وفي ظل عدم تعاون السودان والدول الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك تشاد وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي إستقبلت البشير علي أراضيها في عدة مناسبات دون الإيفاء بإلتزامها في تنفيذ أوامر القبض القائمة ضده، هذا إضافة إلى عدم الإلتزام الفاعل من قبل مجلس الأمن الدولي في متابعة الوضع في دارفور بعد إحالته للوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد ثبت أنه من الصعوبة بمكان لمكتب المدعي العام القيام بعمله وفق حالة عدم التعاون وعدم الإلتزام الفاعل من قبل المجتمع الدولي، وبذلك فان الثلاثة المشتبه بهم الرئيسيين، الذين ما زالوا يشغلون مناصباً عليا في الحكومة السودانية، لا يزالون مطلقي السراح، على الرغم من أوامر الإعتقال القائمة بحقهم. للأسف فان هذا الوضع من شأنه أن يؤخر مسار الإجراءات القضائية.
- قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في تقريرها الأخير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2014، ان مكتبها قد «جمد» التحقيق في الوضع في دارفور، السودان. ماذا يعني ذلك؟
في 12 ديسمبر 2014، قدمت فاتو بنسودا التقرير رقم 20 من مكتب المدعي للمحكمة الجنائية إلى مجلس الأمن عن حالة التحقيقات والملاحقات المتعلقة بالوضع في دارفور. وقد قالت في هذه المناسبة: «لقد ووجه مكتبي بظروف قلة الموارد المخصصة للتحقيقات والتي قد استنفذت بالفعل، ونسبة لعدم تبصر مجلس [الامن الدولي] فيما يجب أن يجري بشأن الوضع في دارفور، لم يصبح أمامي خيار سوي تجميد أنشطة التحقيق في دارفور. وقد قمت بناء علي ذلك بتحول الموارد للحالات الطارئة الأخرى، بخاصة تلك التي التي تقترب من مرحلة المحاكمة. »
الوضع في دارفور، السودان لم يتحسن بل حتي أنه قد ساء بسبب سيادة حالة الإفلات من العقاب. فأحمد هارون، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2007 بتهمة أرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، يقود الآن القمع في جنوب كردفان، حيث يعمل حاكما لذلك الإقليم. وأضافت فاتو بنسودا: « إننا نجد أنفسنا متوقفين عند الحالة التي يمكن أن تشجع الجناة على مواصلة وحشيتهم.»
وأوضحت بنسودا أنه ما لم يكن هناك تغيير في النهج ودعم سياسي قوي للحلول المبتكرة المتعلقة بحالة دارفور من قبل مجلس الأمن والمجتمع الدولي، فان مكتبها سوف لن يكون لديه سوي القليل أو لا شيء يقدمه إلى المجلس وبدون ذلك سيكون التقدم في معالجة الوضع في دارفور مستحيلاً. مضيفة، أن هذا المأزق الذي وصل إليه مكتب المدعي العام مقترنا مع الموارد المحدودة للمكتب يفسر قرار المدعية العامة بتجميد التحقيقات” التجميد”»، وأضافت موضحة أنه ومع ذلك، هذا لا يعني بأن المدعي العام قد أسقط التهم أو قفل القضية المرفوعة ضد المتهمين .بما يشمل مذكرات الإعتقال الخمس القائمة، بما في ذلك التهم ضد عمر البشير، فهي لا تزال نافذة وينبغي للمجتمع الدولي أن يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لإنفاذها في أقرب وقت ممكن، حتي يمكن لضحايا هذه الجرائم الدولية في نهائة الأمر الوصول إلى العدالة.
- 5. ما هو دور مجلس الأمن الدولي؟ ما هي إلتزامات الدول الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والدول غير الأعضاء؟
علي الدول والمنظمات الدولية إحترام إستقلال المحكمة. كما يجب على الدول الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تتعاون مع المحكمة (الفصل التاسع من النظام الأساسي). هذا التعاون لا يقتصر فقط علي إتخاذ إجراءات ملموسة مثل إعتقال وترحيل المشتبه بهم إلى المحكمة ودعم الوصول إلى المعلومات وحماية الشهود وتجميد ومصادرة الأصول وما إلى ذلك. بل يتطلب أيضا الدعم السياسي للمحكمة في العلاقات الثنائية بين الدول وكذلك في الإجراءات التي تتخذها هذه الدول من خلال المنظمات الدولية والإقليمية.
إن الأمر متروك للدول الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في الإلتزام بتنفيذ اوامر القبض الصادرة عن المحكمة. وبخصوص الوضع في دارفور، يجب على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك السودان، التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية حتى تتمكن من إجراء التحقيقات والملاحقات القضائية (بما يشمل إلقاء القبض وتسليم الأشخاص المطلوبين لدي المحكمة)، ذلك بإعتبار أن مجلس الأمن قد قرر إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية وفقا للقرار الذي إتخذه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وقد إتخذ مكتب الدعية عدة إجراءات تتعلق بعدم التعاون كما أن المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت قرارين متعلقين بعدم التعاون بالنسبة لحالتي هارون وكوشيب في مايو 2010 وقرار آخر في حالة البشير في مارس 2015. وقد وجدت الدائرة التمهيدية للمحكمة أن جمهورية السودان قد فشلت في التعاون مع المحكمة فيما يتعلق بطلباتها المتعلقة بإعتقال وتسليم المشتبه بهم، وقد أشارت المدعية إلى أن مجلس الأمن قد «منح سلطة معالجة الأمر وإتخاذ أي إجراء يراه حيال فشل السودان في التعاون مع المحكمة». ومع ذلك، فإن مجلس الأمن الدولي لم يستخدم هذه السلطة. كما ذكرت فاتو بنسودا في بيانها المقدم إلى محلس الأمن في ديسمبر 2014 :
« ظل مكتبي يقوم بتقديم التقارير إلى هذا المجلس لما يقارب العشرة سنوات ، لكن لم يقدم المجلس أي توصية إستراتيجية لمكتبي، ولم يبتدر أي مناقشات من شأنها أن تؤدي إلى حلول ملموسة للمشكلة التي نواجهها بشأن الوضع في دارفور. (…) المطلوب الآن هو إجراء تحول جذري في نهج المجلس لإلقاء القبض على المشتبه بهم. »
- 6. أنشأت السلطات السودانية محكمة خاصة بشأن الأحداث في دارفور في عام 2005. ما هي المرحلة التي وصلت إليها إجراءات هذه المحكمة؟
على الرغم من أن السودان قد أنشأ محكمة جنائية خاصة بأحداث دارفور (المحكمة الخاصة) في عام 2005 لمحاكمة المسؤولين عن الأحداث في دارفور، فمن خلال تحقيقات المدعي العام ووفقا للعديد من التقارير الدولية ( وبخاصة تلك التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية ) قد تكشف أن هذه المحكمة قد تصدت لحالات محدودة لا علاقة لها بالجرائم الخطيرة التي أرتكبت في دارفور خلال السنوات العشر الماضية.
وقد إعترت هذه المحكمة الخاصة عقبات عديدة بما فيها عدم إستقلاليتها، وهو ما يكشف للمرة الثانية عدم وجود رغبة سياسية لدي السلطات السودانية لإكمال التحقيقات والملاحقات القضائية للجرائم الدولية بنجاح.
هناك حالتين لملاحقة المتمردين مازالتا تنظران أمام هذه المحكمة الخاصة. وفي قرار كانت قد أصدرته في 30 مارس 2015، توصلت فيه إلى إدانة أحد أفراد حركة العدل والمساواة وأوقعت عليه عقوبة الإعدام لإرتكابه عدد من الجرائم ضمنها الإدانة تحت المادة 50 (تقويض النظام الدستوري) و المادة 51 (شن الحرب ضد الدولة) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991. كما يخضع 19 متها آخرين تابعين لجيش تحرير السودان – فصيل مني مناوي لإجراءات أمام المحكمة الخاصة حيث يواجهون نفس الإتهامات، و لا تزال إجراءات المحاكمة مستمرة.
This post is also available in: الإنجليزية