الجمعة , نوفمبر 22 2024
enar

عشية الانتخابات في السودان: اعتقالات وإغلاق منظمات مجتمع مدني وقيود على وسائل الإعلام

السودان يفتقر إلى بيئة مواتية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة

(12 أبريل 2015)

 من المقرر أن تبدأ الانتخابات العامة في السودان في 13 أبريل 2015. ويرى كل من “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” أنه “ليس هنالك احتمال لإجراء انتخابات شفافة أو نزيهة في السودان في ظل تعرض منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين والصحفيين لخطر الاعتقال التعسفي بسبب التعبير عن آراء معارِضة، وفي ظل استمرار النزاع في كل من دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق“.

وكانت غالبية أحزاب المعارضة السياسية السودانية قد أعلنت مقاطعتها للانتخابات على أساس أنها لن تكون نزيهة ولا شاملة ولا تهدف إلى التوصل إلى إجماع وطني. وشهدت عشية الانتخابات ازدياداً ملحوظاً في حدة حملة القمع الوحشي ضد الأصوات المعارِضة، إذ شنت السلطات الأمنية حملة قمع غير مسبوقة استهدفت معارضين سياسيين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان. أما في مناطق النزاع، في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فلا يزال المدنيون يتعرضون لانتهاكات جماعية. علاوة على ذلك، فإن العملية الانتخابية شابها عدد من المخالفات الإجرائية وستقام في بيئة سياسية هشة.

قام كل من “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” خلال الأشهر القليلة السابقة للانتخابات بتوثيق سلسلة من الانتهاكات، التي كان الهدف منها، فيما يبدو، فرض المزيد من القيود على قدرة المجموعات المستقلة والناشطين على التعبير عن آرائهم السياسية المعارِضة للحزب الحاكم. إذ تعرض ناشطون وأعضاء أحزب سياسية معارِضة في حملة “إرحل”، التي نظمها تحالف “قوى الإجماع الوطني” المعارض لمقاطعة الانتخابات، لمضايقات واعتقالات تعسفية وسوء معاملة من جانب قوات تابعة لجهاز الأمن.

ففي 7 فبراير، قام جهاز الأمن والمخابرات الوطني في مدينة كسلا، شرقي السودان، باعتقال عضو الحزب الشيوعي السوداني يوسف بابكر، الذي جرى استجوابه حول رسالة وجّهها إلى أصدقائه عبر تطبيق الرسائل النصية الفورية “واتساب” دعماً لحملة مقاطعة الانتخابات، وأُجبر بابكر على الكشف عن أسماء أصدقائه الذين تلقوا الرسالة المذكورة. جرى احتجاز بابكر في الحبس الانفرادي في الليلة الأولى لاعتقاله، وتم الإفراج عنه بدون تهمة بعد ثلاثة أيام في 10 فبراير. كما اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الوطني في 12 فبراير سبعة ناشطين من أحزاب سياسية معارِضة بولاية سنار وجرى استجوابهم حول علاقتهم بحملة “إرحل”. من ضمن المعتقلين اثنان من أعضاء حزب الأمة وثلاثة من أعضاء الحزب الشيوعي وعضوان من تحالف الجبهة الديمقراطية الطلابي. وفي وقت لاحق من نفس الأسبوع اعتقال جهاز الأمن والمخابرات الوطني ثلاثة ناشطين شباب في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل 14 فبراير بمدينة الدمازين، في ولاية النيل الأزرق، وقام باستجوابهم حول علاقاتهم بحملة “إرحل”، وتم إطلاق سراحهم في اليوم التالي. وفي 2 مارس داهمت قوات تابعة للشرطة، مستخدمة الهراوات والغاز المسيل للدموع، ندوة عامة بدار حزب الأمة في مدينة دنقلا كانت مخصصة لإطلاق حملة “إرحل”، ما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص. وفي مدينة بورتسودان هاجمت ميليشيا معروفة باسم “الأمن الشعبي”، كانت تحرس مرشح حزب المؤتمر الوطني في المدينة، محمد صالح، مجموعة من المارة واعتدت عليهم باللكم والضرب بخراطيم المياه بسبب رفضهم للانضمام لحملة المرشح. واضطر صالح لإلغاء حملته بسبب الغضب العام من حادثة الاعتداء التي ارتكبها أفراد ميليشيا “الأمن الشعبي”. وفي 27 مارس اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الوطني ثمانية من أعضاء الحزب الشيوعي السوداني بعد وقت قليل على مغادرتهم دار الحزب بمدينة الخرطوم بحري. جرى احتجاز المجموعة في غرفة بلا نوافذ مساحتها 3X3 متر. تم إطلاق ستة من المعتقلين الثمانية في نفس اليوم وجرى احتجاز اثنين، هما يحيى مدلل ومحسن عبد النبي عبد الرحيم، وتم استجوابهما حول حملة “إرحل” وحُرما من النوم وتم الاعتداء عليهما بالضرب بخراطيم المياه. وفي مدينة عطبرة، بولاية نهر النيل، أمر جهاز الأمن والمخابرات الوطني بإزالة شعارات مكتوبة على جدران دار الحزب الشيوعي السوداني تدعو لإطلاق حملة “إرحل”. كما جرى أيضاً استدعاء عضو بارز بالحزب الشيوعي بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وتم إطلاق سراحه بكفالة بعد أن وجهت له السلطات تهمتين تحت المادة 66 (نشر أخبار كاذبة) و69 (الإخلال بالسلام العام) بموجب القانون الجنائي السوداني لسنة 1991. وقام “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” بتوثيق اعتقالات تعسفية ومضايقات بحق أفراد آخرين في مدينتي القضارف وبورتسودان إثر اشتباه السلطات في معارضتهم للانتخابات.

أما خارج دائرة حملة “إرحل”، فإن المجال أمام مجتمع مدني مستقل يشهد تراجعاً وتقلصاً دراماتيكياً.

أدان “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” منذ مطلع هذا العام مصادرة 33 طبعة بكاملها لـ15 صحيفة. كما أن السلطات سحبت خلال الفترة التي سبقت الانتخابات تسجيل ثلاث منظمات مستقلة تعمل في مجال المجتمع المدني، بما في ذلك “مركز محمود محمد طه الثقافي” و”المنبر المدني الوطني” و”اتحاد الكتاب السودانيين”. وفي ديسمبر 2014 داهمت قوات الأمن مكاتب “المرصد السوداني لحقوق الإنسان”، حيث تعرض كبار موظفيه للاستجواب والمضايقات. وفي الآونة الأخيرة داهمت قوات تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني مكاتب منظمة “تراكس” للتدريب والتنمية البشرية خلال استضافتها ورشة عمل حول المسؤولية الاجتماعية، ووجهت للمشاركين تهمة مناقشة مقاطعة الانتخابات. صادر أفراد جهاز الأمن ممتلكات للمنظمة من ضمنها أربعة أجهزة لابتوب وسيرفر الكمبيوتر المركزي للمنظمة. وقام جهاز الأمن باستدعاء اثنين من موظفي المنظمة يومي 30 و31 مارس، حيث جرى استجوابهما حول نشاطاتها. استدعى جهاز الأمن والمخابرات الوطني أيضاً في 5 أبريل منتج سينمائي قام بتصوير ورشة العمل، وكان أفراد جهاز الأمن قد صادروا جهاز اللابتوب الخاص به، وطلبوا منه العودة في اليوم التالي على أن يحضر معه شاحن جهاز اللابتوب، وعندما عاد في اليوم التالي، 6 أبريل، أُجبر على الكشف عن كلمة السر التي يستخدمها لفتح اللابتوب.

هنالك العديد من المعايير الإجرائية والقانونية السارية التي تضعف من احتمال إدارة الحملات الانتخابية بحرية. إذ لا يزال تعداد 2008 السكاني القومي المثير للجدل قائماً، كما أن اللجنة القومية للانتخابات قام بتعيينها الحزب الحاكم. يُضاف إلى ذلك أن التعديلات التي أجريت عام 2014 على قانون الانتخابات القومية لسنة 2008 أثارت انتقادات لكونها تمهد الطريق للتزوير والتلاعب في النتائج. كما تمت في يناير 2015 إجازة تعديلات مثيرة للجدل على الدستور الوطني الانتقالي لسنة 2005 بدون إجراء أي مشاورات شعبية، الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً واضحاً للإجراءات التي جرى تحديدها في الدستور نفسه. وتم بموجب هذه التعديلات تغيير وضع جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى مصاف قوة نظامية، الأمر الذي يعني منحه تفويضاً دستورياً يسمح له بإقامة محاكم خاصة به.

من الواضح في ظل المناخ الأمني والسياسي الحالي أنه من المستحيل تقريباً الالتزام بالمبادئ المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق الإقليمية والدولية – بما في ذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والميثاق الأفريقي حول الديمقراطية والانتخابات والحكم الراشد، التي تنص على احترام حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية وحكم القانون وضمان حقوق المواطنين في المشاركة الحرة في الانتخابات. ويناشد كل من “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان حكومة السودان بالالتزام بالمبادئ الموقعة عليها في هذه الاتفاقيات والمواثيق والالتزامات الدولية الأخرى الخاصة بقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. كما نناشد أيضاً بتعزيز الضغوط الإقليمية والدولية على السودان بهدف ضمان حماية المدنيين من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في مختلف أنحاء البلاد. ويجب أيضاً على الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (ايغاد)، والتي قرر جميعها إرسال مراقبين للانتخابات بالسودان، أن تدين علناً الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي يتم ارتكابها في السودان. كما يجب على المؤسسات الثلاث أن تقوم أيضاً بتوثيق أي انتهاكات متعلقة بالانتخابات وأدانتها علناً، وعلى وجه التحديد الاتحاد الأفريقي، الذي يفترض أن يقوم بلعب دور مهم في الوساطة بين الأطراف المعنية بحل النزاعات في السودان.

 

خلفية

أصدر كل من الاتحاد الأوروبي ومجموعة الترويكا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج، بيانات أكدت فيها عدم توفر مناخ مناسب لإجراء انتخابات ذات مصداقية في السودان. وستقتصر مراقبة الانتخابات على الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا. وأشارت تقارير إلى أن البعثة التي أرسلها الاتحاد الأفريقي إلى السودان لتقييم الأوضاع قبل إجراء الانتخابات توصلت إلى أن الوضع الحالي غير مناسب لإجراء انتخابات جديرة بالثقة.

قاطعت كافة أحزاب المعارضة السياسية الرئيسية الانتخابات السودانية، باستثناء الحزب الاتحادي الديمقراطي. وكانت قوى نداء السودان قد حددت في فبراير موقفها الذي تلخص في أن يتم إجراء اجتماع تحضيري لعملية الحوار الوطني تقوم بتنظيمه هيئة الاتحاد الأفريقي التنفيذية رفيعة المستوى. لكن الاتحاد الأفريقي قام مطلع أبريل بتعليق الاجتماع التحضيري إلى أجل غير مسمى إثر رفض حكومة السودان إرسال وفد إلى أديس أبابا.

أطلقت السلطات في 9 أبريل سراح أمين مكي مدني، الناشط الحقوقي، وفاروق أبو عيسى، رئيس قوى الإجماع الوطني، والناشط السياسي فرح إبراهيم العقّار بعد اعتقالهم لفترة تزيد على أربعة أشهر، قضوا أسبوعين منها في الحبس الانفرادي. وجاء إطلاق سراحهم بموجب المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، التي تمنح وزير العدل سلطة تقديرية تخول له إسقاط الدعاوى الجنائية. وكانت السلطات قد اعتقلتهم خلال يومي 6 و7 ديسمبر على خلفية حضورهم مفاوضات نداء السودان في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بين قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية السودانية. معروف أن نداء السودان إعلان سياسي ينادي بإنهاء النزاعات في السودان وإقامة دولة ديمقراطية. وكان أبو عيسى ومدني يواجهان تهمة تقويض النظام.

ما تزال انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان تشهد تصعيداً مستمراً في مناطق النزاع في كل من دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق خلال العام 2015. إذ لن يشارك المدنيون في هذه المناطق في العملية الانتخابية على النحو المطلوب. وكان قرار المحكمة الجنائية الدولية بتجميد قضية دارفور قد شجعت البشير وثلاثة متهمين آخرين، إذ أعلنت حكومة السودان في ديسمبر 2014 استمرار “حملة صيف الحسم”. وواصلت السلطات السودانية عمليات القصف الجوي والهجمات الأرضية على مناطق المدنيين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. واشتملت هذه العمليات على استهداف متعمد للمستشفيات وتدمير منازل وممتلكات مدنية وبنى تحتية. واضطر مئات الآلاف من المدنيين في هذه المناطق للفرار من ديارهم، وباتوا يفتقرون للحصول على مياه وأغذية وأدوية وأمصال كافية. وتشير تقارير إلى أن ما يزيد على 1500 قنبلة وقذيفة قد ألقيت على مناطق في جنوب كردفان خلال شهر ديسمبر 2014 ويناير 2015. كما تشير تقديرات إلى أن هناك حتى الآن ما يزيد على 100000 من النازحين الجدد من دارفور خلال عام 2015. وكانت رابطة محاميي دارفور قد قامت في 30 مارس 2015 بتوثيق مقتل الزعيم المحلي إدريس أحمد بمعسكر عطاش للنازحين بجنوب دارفور بواسطة مجهولين كانوا يرتدون أزياء رسمية حكومية. وحسب تقارير، فإن المجني عليه كان قد تلقى تهديدات بالقتل بسبب دعوته للنازحين بمقاطعة الانتخابات.

This post is also available in: الإنجليزية