يواجه ثلاثة أشخاص من دارفور حكماً قضائياً ببتر اليد اليمنى من مفصل الكف إثر إدانتهم بالسرقة في محاكمة غير عادلة بدارفور. والمُدانون الثلاثة، محمد حسن عبد الله محمد، البالغ من العمر 19 عاماً، وداؤود يوسف محمد حسن، البالغ من العمر 20 عاماً، ومحمد عمر عبد الله إسماعيل، البالغ من العمر 20 عاماً، من سكان معسكر أبو ذر للنازحين بمنطقة الجنينة، غربي دارفور.
وكانت محكمة الجنينة الجنائية قد أدانت ثلاثتهم، وهم طلاب بالمرحلة الثانوية تنحدر أصولهم من قبيلة المساليت، في 12 أبريل بسرقة مبلغ 65000 سوداني (نحو 9400 دولار أمريكي). وتمت إدانتهم بموجب المادتين 21 (الاشتراك تنفيذاً لاتفاق جنائي) و171 (عقوبة السرقة الحدية) من القانون الجنائي لسنة 1991، الذي ينص على عقوبة بتر اليد اليمنى من مفصل الكف.
وكانت المحكمة قد أصدرت أحكامها ببتر اليد اليمني لكل من المدانين الثلاثة في محاكمة لم يتوفر لهم فيها تمثيل قانوني للدفاع عنهم، الأمر الذي يشكِّل خرقاً واضحاً للمعايير السودانية والدولية للمحاكمة العادلة ومعايير حقوق الإنسان. إذ تنص المادة 135(3) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني على أن تقوم وزارة العدل السودانية بتعيين محام للدفاع عن أي شخص يواجه تهمة تكون العقوبة عليها في حال الإدانة السجن 10 سنوات أو أكثر، أو البتر، أو الإعدام.
وكانت السلطات قد قامت بترحيل المُدانين الثلاثة من الجنينة، غربي دارفور، إلى سجن كوبر العمومي بالخرطوم بحري، في 5 مايو، تمهيداً لتنفيذ الأحكام الحدية بحقهم. وكانت تقارير قد أشارت إلى أن سلطات سجن الجنينة قد استأنفت الحكم الصادر بحقهم لدى محكمة استئناف غرب دارفور.
وتشكِّل هذه الأحكام انتهاكاً للحظر المطلق للتعذيب والعقوبات أو المعاملة غير الإنسانية أو المُذلة، التي التزم بها السودان بحظرها كطرف موقِّع على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن الدستور الوطني الانتقالي السوداني لسنة 2005 ينص على حظر التعذيب وضمان الحقوق والحريات الواردة في المواثيق والاتفاقيات الدولية التي يُعتبر السودان طرفاً موقِّعاً عليها.
وكانت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قد ناشدت السودان في العام 2012 بـ”الحظر الفوري” لكافة أشكال العقوبات الجسدية، وأعربت أيضاً عن قلقها إزاء أن “القوانين السودانية تنص على العديد من أشكال العقوبات الجسدية، بما في ذلك الرجم والبتر والقطع من خلاف والجلد”، بما يخالف المادة 5 من الميثاق الأفريقي.
وأصدرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قراراً في قضية دوبلر ضد السودان (2003)، فيما يتعلق باستخدام الجلد كعقوبة في السودان، بأنه “لا تملك حكومة أي بلد الحق في استخدام العنف الجسدي على الأفراد عقاباً لهم على ارتكاب مخالفات. إذ أن منح هذا الحق يُعتبر بمثابة إقرار لرعاية الدولة للتعذيب”.
يدين “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” الأحكام التي الصادرة بحق الأشخاص الثلاثة ويناشد حكومة السودان بما يلي:
- إلغاء هذه الأحكام وكافة الأحكام التي تتضمن عقوبات جسدية؛
- التأكيد على حق المتهمين في المثول أمام محاكمة عادلة تضمن لهم حقوق تمثيل قانوني كافية وفقاً للقانون السوداني والقانون الدولي؛
- الوقف الفوري لأحكام البتر وكافة أشكال العقوبات الجسدية، مثل الرجم والجلد، وجعل القوانين السودانية متوافقة مع التزامات السودان القانونية الدولية الخاصة بمنع التعذيب والعقوبات أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المذلة.
- خلفية
جرى استحداث بتر الأطراف كواحد من أشكال العقوبات الجسدية في القانون السوداني عام 1983 عندما قام الرئيس السوداني السابق جعفر نميري بإدخال تعديلات إسلامية باتت تُعرف باسم “قوانين سبتمبر”.
إستحدثت قوانين سبتمبر 1983 مفهوم الحدود في القانون الجنائي السوداني – الجرائم التي تحمل عقوبات ثابتة -بموجب قانون الشريعة الإسلامية. وتشتمل عقوبات الحدود على بتر الأطراف والقطع من خلاف والرجم والجلد. ويتم تنفيذ الجلد بصورة رئيسية كعقوبة على مخالفة قوانين النظام العام في السودان، التي تمنع الأفعال “الفاضحة وغير الأخلاقية”. وبموجب قوانين النظام العام في السودان يتم استهداف النساء بصورة رئيسية، ويتم في الغالب مثولهن أمام محاكم إيجازية بدون أن يتوفر لهن دفاع قانوني. ووفقاً لإحصائيات “مؤسسة الحقوق المتساوية”، فإن الأرقام الحكومية للعام 2008 أشارت إلى أن نحو 43000 امرأة تم اعتقالهن في الخرطوم فقط بسبب مخالفات تتعلق بالزي.
لا يُعرف على وجه التحديد عدد أحكام البتر التي تم تطبيقها منذ تطبيق قوانين سبتمبر. إذ أن مراقبة مثل هذه القضايا أمر تكتنفه صعوبات بسبب عدم توفر بيانات رسمية حول القضايا الجنائية، فضلاً عن أن المتهمين الذين يمثلون أمام محاكم سودانية غالباً ما لا تتوفر لهم مساعدة قانونية أو فرصة الاستعانة بدفاع قانوني من المحتمل أن يثير نيابة عنهم مخاوف بشأن القضية المرفوعة ضدهم.
جدير بالذِكر أن آخر تطبيق لعقوبة البتر كانت في فبراير 2013 عندما قام أطباء حكوميون ببتر اليد اليمنى والقدم اليسرى لشخص بموجب أمر قضائي في الخرطوم في 14 فبراير 2013. وكانت مصادر موثوقة قد أفادت “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” بأن أطباء يعملون بمستشفى الرباط التابع لوزارة الداخلية السودانية قد قاموا ببتر اليد اليمنى والقدم اليسرى لآدم المثنى، البالغ من العمر 30 عاماً، بعد أن أدانته محكمة بجريمة النهب المسلح (الحرابة) بموجب المادة 167 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991.
وفي 31 مارس 2013 قام “المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام” بتوثيق قضية تمت فيها إدانة كل من عبد اللطيف أحمد إبراهيم، وأحمد إدريس صالح، وعلي صالح، بجريمة السرقة بموجب المادة 170 من القانون الجنائي السوداني. أدانت المحكمة المتهمين الثلاثة وأصدرت أحكامها ببتر يد كل منهم من مفصل الكف بدون أن يتوفر لهم دفاع قانوني أمام محكمة الفاشر الجنائية بشمال دارفور. وكانت السلطات قد اتهمت المُدانين الثلاثة بسرقة زيت طبخ قيمته 14700 جنيه سوداني (نحو 3300 دولار أمريكي) من مصنع بمدينة الفاشر في 26 ديسمبر 2012. وأوكلت أسر المُدانين الثلاثة عقب صدور قرار المحكمة محام لاستئناف الحكم الصادر بحقهم لدى محكمة استئناف شمال دارفور، التي قضت بإلغاء الأحكام الصادرة ضدهم وأصدرت أحكاماً بسجن كل منهم 5 سنوات.
ظلت منظمات حقوق الإنسان تأمل، حتى العام 2013، في صدور تعليق فعلي لأحكام البتر، إذ لم تكن هناك قضايا تستوجب تطبيق هذه العقوبة منذ عام 2001. إلا أن وزير العدل السوداني في ذلك الوقت، عبد الرحمن شرفي، عقد مؤتمراً صحفياً صرح فيه بأن السلطات قد قامت بتنفيذ 16 حكماً بالبتر منذ عام 2001.
حسب تعريفها في القانون السوداني، فإن جريمة السرقة هي سرقة الممتلكات التي تتجاوز النصاب – وهو مفهوم إسلامي يعني الحد الأدنى من قيمة الممتلكات أو الثروة التي يجب أن يملكها شخص قبل دفعه الزكاة. وكان رئيس القضاء السوداني قد حدد النصاب بـ3000 جنيه سوداني (نحو 500 دولار أمريكي) في 7 مارس 2013.
للاتصال:
info@acjps.org
This post is also available in: الإنجليزية