(15 نوفمبر 2023)
تحملت مدينة الجنينة، الواقعة في غرب دارفور، وطأة فصل مروع من تاريخها، اتسم بحرب مدمرة خلفت آثاراً عميقة من إنتهاكات حقوق الإنسان والجرائم المروعة. وعلى الرغم من هدؤها عند انطلاق الصراع الحالي، إلا أن طمأنينتها تبددت في اليوم الرابع والعشرين من أبريل عندما ركزت الأطراف المتحاربة قتالها حول المدينة. ومن حينها إتخذ العنف منحىً عرقياً، مما أدى إلى جولة جديدة من التطهير العرقي وهو ما يتطلب إتخاذ إجراءات عاجلة. في منتصف يونيو 2023، إعتبرت كل من وزارة الخارجية الأمريكية ومرصد النزاع في السودان ومصادر محلية أن المذبحة الوحشية التي راح ضحيتها أكثر من 1100 مدني في الجنينة هي عمل متعمد من أعمال العنف العرقي يستهدف المجتمعات غير العربية، وعلى وجه الخصوص أفراد مجتمع المساليت، وربما تكون الأعداد الفعلية للضحايا في الجنينة أعلى من ذلك. لقد تعرضت العديد من الاحياء السكنية في الجنينة للنهب والحرق على يد قوات الدعم السريع منذ إندلاع الحرب. بينما تعرض مئات الأشخاص للاعتداء الجنسي ووقعت النساء ضحايا للعبودية والاختطاف من أجل الحصول على فدية. ولسوء الحظ، فإن هذه ليست سوى دورة جديدة من نسق العنف الذي أمتد لأكثر من 20 عاما. إنه رمز حي لفشل الالتزام بإنهاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
إن تحقيق المساءلة عن الجرائم الوحشية التي تم ارتكابها في الجنينة والسودان بشكل عام من الأهمية بمكان من أجل التعافي والعدالة واستدامة السلام. هناك حاجة إلى تدخل عاجل من أجل فك الحصار المضروب على القطاع الصحي ، ودعم المجتمع المدني، وإتاحة حرية الحركة وتوفير الضروريات الأساسية في محاولة لإنقاذ حياة المدنيين الذين يعيشون في وضع مرعب. المساءلة عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب في الجنينة هي عملية متعددة الأوجه تشمل الآليات الدولية والإقليمية، ولجان الحقيقة والمصالحة، والتقاضي المدني. إن السعي لتحقيق العدالة لا يقتصر فقط على إنصاف الضحايا، بل يشمل أيضًا منع ارتكاب الفظائع في المستقبل وإرساء أساس للسلام الدائم.
تعد المحكمة الجنائية الدولية، منارة الأمل لضحايا الجرائم الدولية الشنيعة، لذلك عليها أن تستمر في إصدار مذكرات توقيف بحق الافراد المتورطين في الصراع في دارفور. وذلك بتوسيع نطاق تحقيقاتها لتشمل الجرائم المرتكبة في الجنينة، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلعب دورًا محوريًا في ضمان المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في الاقليم.
بينما ينصب جل إهتمام لجنة الطفل الأفريقية في المقام الأول على حماية حقوق الأطفال الأفارقة، يمكنها أيضًا الاضطلاع بمعالجة الجرائم المرتكبة ضد الأطفال في مناطق الصراع. وبحسب التقارير الواردة كان للجرائم المرتكبة في الجنينة تأثير عميق على الأطفال. ومن الأهمية بمكان الإنخراط في العمل مع لجنة الطفل الأفريقية من أجل ضمان إحترام حقوق الأطفال وتقديم مرتكبي تلك الجرائم ضدهم للعدالة.
في الغالب يتم تكوين لجان الحقيقة والمصالحة في مجتمعات ما بعد الصراع أو المجتمعات الانتقالية لكشف الحقيقة حول فظائع وإنتهاكات الماضي، وتشجيع المصالحة، وتقديم توصيات للتصدي للإفلات من العقاب. توفر لجان الحقيقة والمصالحة للضحايا منبراً لمشاركة قصصهم والتوصية بإتخاذ التدابير اللازمة للتعويضات. إن الدعوة لإنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة مخصصة للجنينة يعد خطوة أساسية سعياً وراء تحقيق المساءلة والمصالحة. كما يمكن أن يساعد في توثيق الجرائم، والاعتراف بمعاناة الضحايا، والمساهمة في عملية التعافي .
تتيح الدعاوى المدنية للضحايا الأفراد إلتماس العدالة والتعويضات من خلال الإجراءات القانونية. يمكن للضحايا رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب. تلعب المساعدة القانونية والدعم من منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية دوراً حاسماً في تمكين الضحايا من متابعة القضايا المدنية. ولا تكتفي الدعاوى المدنية بمحاسبة الجناة فحسب، بل تقدم أيضًا تعويضات مالية للضحايا وتعترف بمعاناتهم.
ينبغي لشركاء السودان الدوليين، بما في ذلك الحكومات الأجنبية والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، القيام بما يلي:
- التأكيد على الحاجة إلى محاكمات عادلة وذات مصداقية للجرائم الفظيعة التي تم ارتكابها في الماضي.
- التعبير عن أهمية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في قضايا دارفور.
- تحديد الخبرات والمساعدة التي قد تكون متاحة لدعم هذه الجهود.
في الختام، يجب على المجتمع الدولي والمنظمات المحلية والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يعملوا بشكل متناغم لضمان محاسبة أولئك الذين إرتكبوا هذه الجرائم الشنيعة. وهذه ليست مسألة عدالة فحسب، بل إنها خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للجنينة وشعبها.
السيدة كريستين كيرابو نامبيما
مسؤول البرامج القانونية
المركز الافريقي للعدالة ودراسات السلام