الأربعاء , نوفمبر 6 2024
enar
images

استجابة أليات الأمم المتحدة بشأن الوضع في دارفور منذ 15 ابريل 2023

مقدمة

على مدى الأشهر السبعة الماضية، ولا سيما في مايو 2023، كانت منطقة دارفور السودانية مسرحا لصراع دموي أدى إلى مقتل مئات المدنيين وتشريد الآلاف. فمرة أخرى تجتاح ولايات دارفور صراعات مسلح مصحوبة بالعديد من فظائع. ولا تزال كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية تواصل عمليات قتل واغتصاب ونهب انسان هذه المجتمعات المحلية في دارفور. لقد كان رد فعل المجتمع الدولي على الصراع الجاري في إقليم دارفور جامداً وأبطأ من أي وقت مضى. هذا على الرغم من أن ما يحدث في دارفور هو نتيجة مباشرة للأزمة الأولى في دارفور والتي وقعت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما أدى إلى دخول قوات الدعم السريع وزعيمها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي إلى مسرح الأحداث في درافور.

وبموجب اتفاق سلام جوبا الذي تم توقيعه في أكتوبر 2020، أصبح زعيم الحركات المسلحة الراحل، السيد/ خميس أبكر، الذي ينتمي إلى قبيلة المساليت الأفريقية، حاكما لولاية غرب دارفور. الأمر الذي أغضب المليشيات ذات الأصول العربية وأدى إلى تفجر مقاومة ونزاع عنيف. ومع ذلك، لم تحقق بعثة الأمم المتحدة ولا هيئة العدالة الوطنية في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي صاحبت ذلك النزاع أو تحاكم المتورطين في تلك الجرائم. وتزامن مع اندلاع القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في الخرطوم في 15 أبريل 2023، اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في غرب دارفور. وعلى الرغم من الأسباب الحقيقية وراء ذلك لم تكن واضحة، إلا أنه كان من الجلي بأن الميليشيات العربية قد أطلقت حملات دموية ضد السكان المدنيين ذوي الأصول الأفريقية.

ذكر الناجون من تلك الحملات الذين فروا إلى القرى المجاورة في تشاد أن قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المسلحة تتحرك من منزل إلى آخر في مدينة الجنينة في غرب دارفور، وتقتل وتغتصب وتنهب، وتترك جثث الرجال والفتيان تتحلل في الشوارع. في مايو 2023، قامت الميليشيات المسلحة بمهاجمة مستشفى الجنينة واقتحمت قصر السلطان، وهو المنزل الذي يعيش فيه زعيم قبيلة المساليت. وفي يونيو 2023، ومن خلال مقابلة تلفزيونية، ندد حاكم ولاية غرب دارفور، السيد خميس أبكر، بتلك الهجمات العنيفة واصفا إياها بأنها حملات “إبادة جماعية”. وفي اليوم التالي لذلك التصريح جرى اختطافه وقتله على أيدي مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع.

وفي مطلع أكتوبر 2023، تمكنت قوات الدعم السريع من الاستيلاء على كل من مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، ومدينة زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، وأكبر المدن التي تقطنها جماعة الفور، ومدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور التي تضم مجموعة كبيرة من القبائل ذات الأصول العربية. الأمر الذي أدى الى تحول موقف بعض القبائل العربية في جنوب وشرق دارفور، من حالة الحياد التي كانت تحاول الحفاظ عليها تجاه النزاعات المسلحة السابقة التي جرت خلال العام 2003 في دارفور، إلى دعم قوات الدعم السريع، حيث أعلن 9 من زعماء القبائل العربية على الأقل دعمهم لقوات الدعم السريع في أغسطس 2023. أما في الوقت الحالي، فقد ظلت جميع الحركات المسلحة في دارفور، بما فيها حركة تحرير السودان التي يتزعمها السيد/ مني اركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، خارج المعركة.

ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد قتل حوالي 4.000 مدني وجرح 8.400 آخرين في دارفور، خلال الفترة الزمنية الممتدة من منتصف أبريل إلى نهاية أغسطس، ويعتقد أن الغالبية الضحايا تمّ استهدافهم أساسا بسبب انتمائهم العرقي، لا سيما في غرب دارفور. ومن المؤسف أن الأطفال النازحين واللاجئون، قد حوصروا في تبادل إطلاق النار، وتعرضوا للقتل أو الإصابات والتشوهات جراء القصف على مدارسهم.

وقد أدت عمليات النهب والحرق واسعة النطاق التي شهدها الإقليم إلى تدمير ما لا يقل عن 29 مدينة وبلدة وقرية في جميع أنحاء دارفور. كما أدى إطلاق النار العشوائي والقصف العنيف في المخيمات ومواقع التجمع التي تأوي النازحين إلى سقوط مئات الضحايا وتدمير أكثر من 139 منشأة مدنية، بما في ذلك محطات امداد المياه والمدارس والأسواق والمستشفيات، أو طالتها الأضرار أو اعمال النهب أو تمّ احتلالها. وتعرضت الطواقم الطبية التي تحاول تشغيل عيادات مخصصة في بعض المنازل الخاصة إلى الاستهداف. وترتب على اغلاق المدارس في دارفور، ضياع فرص التعليم وفقدان المدارس كمرافق آمنة لملايين الأطفال الذين اصبحوا عرضة لمخاطر جسيمة مثل العنف الجنسي، والضغوط، والصدمات النفسية، والفصل بين أفراد أسرهم.

ووفقا لمنظمة اليونيسيف، فإن أعداد الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم في تزايد مستمر. وبما أن النزاعات المسلحة الجارية قد أدت إلى تدمير وضياع سبل كسب العيش، فإن ذلك يجعل الأطفال اللاجئين عرضة لخطر الاختطاف والاستغلال للعمل القسري والتجنيد في الجماعات المسلحة والاتجار بهم. وتفيد التقارير بأن المدنيين الذين أجبروا على مغادرة المنطقة بحثا عن الأمان يواجهون الكثير من التحديات والصعوبات في تجاوز نقاط التفتيش، حيث تعرض البعض منهم إلى الاعتقال أو الحجز.

استجابة مجلس الأمن الدولي على الأزمة في السودان

في 2 يونيو 2023، قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونتامس) حتى 3 ديسمبر 2023. وأكد المجلس أن وجود البعثة يصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى للقيام بالدور المنوط بها تجاه تنسيق استجابة الأمم المتحدة للتحديات المعقدة التي تواجه السودان.

فعلى سبيل المثال، أكدت المملكة المتحدة، بصفتها ميسرا، دعمها لعمل الممثل الخاص وفريقه، معترفة بأن الحالة الإنسانية لا تزال تشكل مصدر قلق كبير، وأن القرار الخاص تمديد ولاية البعثة يأتي تأكيداً على دعم الأمم المتحدة لتلبية مطالب الشعب السوداني من أجل السلام والديمقراطية. كما أنه سيوفر الوقت للمجلس لتقييم تأثير الولاية.

كما أكدت في ذات السياق دولاً أفريقية مثل الغابون وغانا وموزمبيق أن السودان يمر بمرحلة حرجة في تاريخه مع تزايد خطر نشوب حرب أهلية. وعلاوة على ذلك، أشاروا إلى أن الوضع الأمني المتدهور يشكل خطرا على البلدان الأخرى في المنطقة، ودعوا أطراف النزاع إلى إعلان وقف فوري لإطلاق النار. وفضلا عن ذلك، شددوا على أهمية اعتماد خطة تخفيف التصعيد التي اقترحها الاتحاد الأفريقي كخريطة طريق مرجعية لإنهاء الصراع في السودان. كما أبرزوا الدور الرئيسي للمنظمات الإقليمية، وهي الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (ايقاد)، في حل الأزمة. ويتطلب الوضع الإنساني المزعج الذي يواجه السكان المدنيين والنازحين الداخليين واللاجئين في والنازحين في الداخل واللاجئين في البلدان المجاورة اتخاذ إجراءات عاجلة، تشمل حشد الموارد المالية الضرورية لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 في السودان. وبالإضافة إلى ذلك، دعوا إلى تسهيل وصول موظفي المساعدة الإنسانية دون عوائق، مؤكدين على ضرورة ضمان تقديم المساعدة الإنسانية إلى السودان.

وعلى الرغم من أن وفد الولايات المتحدة قد صوت لصالح تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة أعربت، مع ذلك، عن أسفها لعدم تمكن المجلس من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ولاية كاملة للبعثة “في وقت تعتبر فيه البلاد أحوج ما تكون إلى ذلك ” بسبب تداعيات الأزمة الراهنة في السودان. وإذ يشير أعضاء المجلس الآخرون إلى أن الولايات المتحدة قدمت بعض التعليقات والتوصيات لم يوافق عليها الأعضاء الآخرون. وفي هذا السياق، أعربت الولايات المتحدة عن أملها في أن يتمكن المجلس من الاجتماع والاتفاق على قرار يعكس الحالة على أرض الواقع ويمكن البعثة من تقديم دعم أفضل لإنهاء الحرب وتحقيق تسوية سياسية ديمقراطية.

أما بالنسبة لليابان، فقد أعرب وفدها عن قلقه إزاء الاشتباكات المستمرة في السودان على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتكررة بين الطرفين. وأشاروا إلى أنه لا توجد مؤشرات إيجابية واضحة على العودة إلى العملية السياسية، ودعوا الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية فورا والتمسك بإعلان جدة والاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية على المدى القصير.

وقد شدّدت كل من سويسرا ومالطة على أنه يجب على المجلس أن يتكلم بصوت واحد بشأن ضرورة إنهاء العنف في السودان وحماية السكان المدنيين. وعلاوة على ذلك، يجب على المجلس أن يجمع على دعم الجهود الإقليمية بقيادة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. كما دعوا كلا الطرفين إلى إسكات صوت المدافع فورا واحترام القانون الإنساني الدولي والتنفيذ الكامل لإعلان جدة والاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية على المدى القصير.

أكدت الصين من جانبها أهمية وقف القتال والأعمال العدائية، مشيرة إلى أنه ينبغي للطرفين حل الخلافات عن طريق الحوار والترتيبات السياسية الدائمة. وإقرارا منه بأن الاتحاد الأفريقي وغيره من الجهات الفاعلة الإقليمية قد اعتمدوا خريطة طريق لإنهاء الصراع، فقد حث الوفد الصيني المجلس على دعم جهودهم. كما أشار الوفد الصيني إلى أن قضايا السودان يجب أن تحل داخليا، وأن الضغوط الخارجية أو العقوبات احادية الجانب من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة. وفي معرض تأييده لبعثة الأمم المتحدة، دعى الوفد الصيني البعثة الأممية إلى الحفاظ على التواصل مع السلطات السودانية وتقديم الدعم اللازم لها.

وقد لاحظ الاتحاد الروسي أن الحالة في السودان لا تزال تبعث على القلق، وأن المزيد من التصعيد يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية هناك وزعزعة استقرار البلدان المجاورة. ودعت روسيا الأطراف السودانية إلى إبداء الإرادة السياسية واتخاذ خطوات فورية لإنهاء المواجهة المسلحة، وتشجيع الجهود الوطنية والإقليمية لضمان وقف إطلاق النار.

وأعرب وفد دولة الإمارات العربية المتحدة عن بالغ قلقه إزاء الانتهاكات الجسيمة لاتفاق وقف إطلاق النار، وأكد أيضا أن وصول المساعدات الإنسانية هو بمثابة شريان حياة للمحتاجين، وحث المجلس على توجيه رسالة واضحة بشأن أهمية التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار. وعلاوة على ذلك، أكد الوفد الحاجة الماسة لوجود البعثة في السودان في هذا الوقت.

استجابة المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في دارفور في عام 2004

على الرغم من أن السودان ليس طرفا في نظام روما الأساسي. ولكن، بما أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أحال الوضع في إقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بناء على توصيات لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور، ووفقا للقرار 1593 (2005) المؤرخ 31 مارس 2005، فإنه يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تمارس ولايتها القضائية على الجرائم المدرجة في نظام روما الأساسي التي ارتكبت في إقليم دارفور، بالسودان منذ تاريخ الأول من يوليو 2002 فصاعدا.

أنشئت لجنة التحقيق الدولية المعنية بدارفور بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1564 (2004)، الذي اعتمد في 18 سبتمبر 2004. وحث القرار، الذي تمت اجازته بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، الامين العام على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبت في دارفور. وقامت اللجنة، من خلال ولايتها المتمثلة في “التحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”، بفحص التقارير الواردة من مصادر مختلفة، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية وهيئات الأمم المتحدة وآلياتها، فضلا عن المنظمات غير الحكومية.

واستنادا إلى تحليل دقيق للمعلومات التي تمّ جمعها أثناء التحقيقات التي أجرتها اللجنة، أثبتت اللجنة أن حكومة السودان والجنجويد مسؤولون عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ترقى إلى مستوى الجرائم التي تقع تحت طائلة القانون الدولي. وقد وجدت اللجنة على وجه الخصوص أن القوات الحكومية والميليشيات شنت هجمات عشوائية، شملت قتل المدنيين، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسري، وتدمير القرى، والاغتصاب، وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي، والنهب، والتشريد القسري، في جميع أنحاء دارفور. وقد ارتكبت هذه الأعمال على أساس منهجي واسع النطاق، ومن ثم يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

وقد أدت تبعات ونتائج الحروب والنزاعات من خراب ودمار وتشريد وخلافه التي شملت ارجاء الإقليم إلى فقدان سبل العيش لعدد لا يحصى من النساء والرجال والأطفال. وبالإضافة إلى الهجمات الواسعة النطاق، فقد تمّ القاء القبض على أشخاص كثيرين واحتجازهم، واحتجز كثيرون بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة وتعرضوا للتعذيب. وكانت الغالبية العظمى من ضحايا جميع هذه الانتهاكات من قبائل الفور والزغاوة والمساليت والجبل وأرانغا، وغيرها مما يسمى بالقبائل “الأفريقية”.

وأوصت اللجنة بشدة بأن يقوم مجلس الأمن فورا بإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، بموجب المادة 13 (ب) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وكما ذكر مجلس الأمن مرارا، فإن الحالة في دارفور تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وعلاوة على ذلك، وكما أكدت اللجنة، فإن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من جانب جميع الأطراف ما زالت مستمرة.

إن محاكمة المتهمين بالمسئولية تجاه الجرائم والانتهاكات الخطيرة في دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية، من شأنها أن تسهم في استعادة السلام في المنطقة. ووفقا للجنة، فإن الجرائم المزعومة التي جرى توثيقها في دارفور تقع تحت طائلة نظام روما الأساسي على النحو المنصوص عليه في المواد 7 (1) و8 (1) و8 (و). فما يحدث في دارفور هو صراع مسلح داخلي بين السلطات الحكومية والجماعات المسلحة المنظمة.

وتشير المعلومات الموثوقة التي تمّ الحصول عليها إلى أن جرائم الحرب التي ارتكبت على نطاق واسع، ربما قد تكون جزءً من خطة أو سياسة موضوعة مسبقاً. كما ان هناك الكثير من المواد الموثوقة التي تشير إلى أن الهجمات واسعة النطاق والممنهجة التي استهدفت السكان المدنيين، كانت مصحوبة بالعديد من الأعمال الإجرامية الأخرى، وفق علم مسبق بهذه الهجمات. ولذلك، ترى اللجنة أن هذه الجرائم قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.

ومع وضع كل ذلك في الاعتبار ظل النظام القضائي السوداني غير قادر على معالجة الحالة في دارفور وغير راغب في ذلك. فقد ضعف هذا النظام بشكل كبير خلال العقود الماضية، بفعل القوانين المقيدة التي تمنح صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية مما أدى إلى تقويض فعالية القضاء، هذا علاوة على أن العديد من القوانين السارية في السودان اليوم تخالف المعايير الأساسية لحقوق الإنسان.

والجدير بالذكر أن القوانين الجنائية السودانية لا تحظر بشكل كاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مثل تلك التي ترتكب في دارفور، كما يتضمن قانون الإجراءات الجنائية أحكاما تمنع الملاحقة القضائية الفعالة لهذه الأفعال. وبالإضافة إلى ذلك، أبلغ العديد من الضحايا الهيئة أنهم لا يثقون في نزاهة النظام القضائي السوداني وقدرته على تقديم مرتكبي الجرائم الخطيرة المرتكبة في دارفور إلى العدالة. وعلى أي حال، يخشى الكثيرون من التعرض للانتقام إذا لجأوا إلى نظام العدالة الوطني.

كما ان التدابير التي اتخذتها الحكومة حتى الآن للتصدي للأزمة كانت غير كافية وغير فعالة على حد سواء، مما ساهم في تهيئة مناخ الإفلات التام تقريبا من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور. ولم يقدم سوى عدد قليل جدا من الضحايا شكاوى رسمية بشأن الجرائم المرتكبة ضدهم أو ضد أسرهم، بسبب انعدام الثقة في نظام العدالة. وترى الهيئة أنه ينبغي لمجلس الأمن عدم الاكتفاء باتخاذ إجراء ضد الجناة فحسب، بل أن يعمل أيضا باسم الضحايا. ولذلك فقد أوصت الهيئة بإنشاء لجنة للتعويضات تهدف إلى منح تعويض لضحايا الجرائم، سواء تم تحديد مرتكبي هذه الجرائم أم لا.

وأوصت اللجنة أيضا باتخاذ عدة تدابير من جانب هيئات أخرى للمساعدة على كسر حلقة الإفلات من العقاب. وشملت هذه التدابير ممارسة الدول الأخرى للولاية القضائية العالمية، وإعادة لجنة حقوق الإنسان إنشاء ولاية المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في السودان، وتقديم المفوض السامي لحقوق الإنسان تقارير عامة ودورية عن حالة حقوق الإنسان في دارفور.

استجابة المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في دارفور في عام 2023

في يونيو 2023، أشارت عدة تقارير من مصادر موثوقة إلى استمرار ارتكاب قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها فظائع وأعمال قتل ذات أهداف عرقية في غرب دارفور. وقد وثقت هذه التقارير الدمار الذي لحق بقرية مستري وعمليات القتل الجماعي للمدنيين، التي أفادت التقارير بأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبتها. وعلاوة على ذلك، يشير تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أن العثور على مقبرة جماعية بالقرب من الجنينة تحتوي على جثث 87 شخصا، من بينهم نساء وأطفال، هو بمثابة دليل حي على التكلفة البشرية المروعة لهذه الحرب.

ونظراً إلى أن تلك الفظائع وأعمال العنف المرتكبة في دارفور تتطلب المساءلة وتحقيق العدالة المجدية للضحايا والمجتمعات المتضررة، ووضع حد للإفلات من العقاب، فقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 13 يوليو 2023 أن جرائم الحرب المزعومة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال القتال الحالي قد تخضع للتحقيق والملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأن مكتب المدعي العام بدأ تحقيقات مركزة حول الأحداث الأخيرة. قال مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إنه يحقق في مزاعم جديدة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في منطقة دارفور، بما في ذلك عمليات القتل الأخيرة التي قيل ان قوات الدعم السريع نفذتها والتي راح ضحيتها 87 من أفراد قبلية المساليت.

استجابة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على وضع حقوق الإنسان

وفقاً لأحدث احصائيات الأمم المتحدة فقد تعرض أكثر من 7.000 شخص للقتل وأصيب الآلاف بجروح نتيجة للحرب التي اندلعت في السودان في منتصف أبريل التي يواجه فيها طرفا القتال بعضهما بعضا؛ وتتهم القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد المدنيين خلال النزاع الدائر بينهما.

في سبتمبر 2023، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، بما في ذلك دارفور، مؤكدا على الحاجة الملحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت وأماكن وقوعها. ومن خلال عملية تبني القرار، صوتت 19 دولة لصالح القرار، بينما رفضته 16 دولة، وامتنعت 3 دول عن التصويت.

ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون الكامل مع بعثة تقصي الحقائق وتمكينها من الاضطلاع بمهام اعمالها. وحث القرار المجتمع الدولي على تقديم الدعم الكامل للبعثة في تنفيذ ولايتها. وتتألف البعثة من 3 أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يقوم بتعيينهم رئيس مجلس حقوق الإنسان في أقرب وقت ممكن لفترة أولية مدتها سنة واحدة.

وقد تم تكليف البعثة الدولية بالتحقيق في جميع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكاتها وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد اللاجئين، وتحديد الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لهذه الادعاءات. ووفقا للقرار، يجب على البعثة تحديد الأفراد والكيانات المسؤولين عن الانتهاكات أو الجرائم الأخرى ذات الصلة لضمان محاسبة المسؤولين عنها. وينص القرار على أن تقدم بعثة التحقيق توصيات بشأن تدابير المساءلة، حسب الحاجة، وكذلك المسؤولية الجنائية الفردية، ووصول الضحايا إلى العدالة.

الخاتمة

في عام 2003، عندما اندلع النزاع المسلح في دارفور، كان المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نشطا جدا ومتفاعلاً مع الأزمة الإنسانية في ذلك الوقت، ولكنه الآن صامت مع عدم القدرة وعدم الرغبة في تأمين أي قرار قوي من مجلس الأمن لحماية المدنيين. وقد أحالت هيئات الأمم المتحدة المعنية المسؤولية إلى الاتحاد الأفريقي، والايقاد، وجدة، التي لم تحقق شيئا من حيث المخاوف السياسية وقضايا حقوق الإنسان في السودان.

وعلى المستوى الفردي، جاء أول رد فعل من الولايات المتحدة بعد أن زار السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مخيمات اللاجئين في دارفور في تشاد في أوائل سبتمبر 2023. إلا ان دور الولايات المتحدة لم يتعدّ أكثر من فرض عقوبات على قادة “قوات الدعم السريع” ودعم الجهود الإنسانية على الحدود.

وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية لوقف إراقة الدماء. ويتعين على البلدان التي تختلف حول قضايا عالمية أخرى أن تكون قادرة على تنحية خلافاتها جانبا والاتفاق على الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، وتقديم المساعدات الأساسية، ووقف الكارثة التي تتكشف تدريجيا والتي من المرجح أن تتجاوز ما عانته دارفور قبل عقدين من الزمان.

ويجب على البلدان الافريقية خلال انعقاد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التأكيد على أن أجندة صنع السلام وحماية المدنيين لا تزال مطروحة على الطاولة بهدف وضع حد للمعاناة الإنسانية في دارفور، والسودان بشكل عام.

 

 

مساعد محمد علي

المدير التنفيذي

المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام