يشهد السودان منذ عقود الإنتهاكات ضد الأطفال المرتبطة بالنزاع ، لكن أتجه الوضع نحو مزيدٍ من التدهور مع إندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل 2023. وقد تورط كلا الطرفين المتحاربين في إرتكاب إنتهاكات جسيمة ضد الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم . وبغض النظر عن كيفية تجنيد الأطفال وأدوارهم، فإن الجنود الأطفال هم ضحايا، وتترتب على مشاركتهم في الصراع تداعيات خطيرة على سلامتهم الجسدية والعاطفية. عادة ما يتعرض الأطفال للإساءة وتقع أمام أعينهم أحداث الموت والقتل والعنف الجنسي. وقد يٌجبر العديد منهم لإرتكاب أعمال عنف ضد أطفال ومدنيين آخرين، ومن ثم يقعوا فريسة لمعاناة نفسية طويلة الأمد نتيجة لهذه الانتهاكات.
تُعرّف مبادئ باريس بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، الطفل المرتبط بقوات أو جماعة مسلحة بأنه (أي شخص يقل عمره عن 18 عامًا يتم تجنيده أو استخدامه من قبل قوة مسلحة أو جماعة مسلحة بأي صفة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الأطفال، الأولاد والبنات، الذين يتم استخدامهم كمقاتلين أو طباخين أو حمالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية. ولا يقتصر هذا على الأطفال الذين شاركوا بشكل مباشر في النزاع، بل على أولئك المشاركين بشكل غير مباشر أيضًا).
منذ تفجر النزاع المسلح في أبريل 2023، نزح ما يقرب من مليون طفل بسبب القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مما جعلهم عرضة لإنتهاكات جمة. إن عدد الأطفال الذين يتم تجنيدهم في الصراع أمر مثير للقلق، وتبقى المناطق المهمشة في إقليمي دارفور وكردفان هي الأكثر تأثراً من الظاهرة . وقد تم تأكيد وجود جنود أطفال من خلال مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي وروايات شهود عيان، لقد تورط جنود أطفال لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا في القتال. وقد قام المركز الأفريقي للعدالة و دراسات السلام مؤخراً بتوثيق حوادث تجنيد ما لا يقل عن 20 طفلاً من قبل قوات الدعم السريع في جنوب دارفور. في سبتمبر 2023، سلمت القوات المسلحة السودانية 30 من الأطفال المجندين للجنة الدولية للصليب الأحمر. في وقت إتهم فيه عدد من الشهود الإدارة الأهلية بالتورط في عملية التجنيد مستخدمين الإكراه والتخويف تارة والوعود الخٌلب بجني مكاسب مادية أو مالية تارة أخرى. وذلك لأن الشباب الذين يفتقرون إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء يجدون أنفسهم منجذبين إلى الجماعات المسلحة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة. لقد أجرمت قوات الدعم السريع منذ بداية النزاع باستخدام الجنود الأطفال. ومع ذلك، ومع اشتداد الصراع، سلكت القوات المسلحة السودانية نفس السبيل وقامت بتجنيد العديد من الأطفال. إن سلوك كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في السودان يُظهر بوضوح الازدراء والتجاهل التام لحقوق الإنسان الدولية والإقليمية والقوانين الإنسانية الدولية التي تتطلب حماية الأطفال في حالة الصراعات المسلحة.
هناك العديد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات الإنسانية التي يمكن بموجبها محاسبة السودان على هذه الجريمة. حيث تحظر البروتوكولات الإضافية لإتفاقيات جنيف، والتي يعد السودان جزاءً منها، تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة أو استخدامهم في الأعمال العدائية. وهذا المعيار ملزم لكل من القوى الوطنية وغير الوطنية. على سبيل المثال، تنص المادة 77 (2) من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، و(البروتوكول الأول) وُقع في جنيف، في 8 يونيو 1977 حيث نص على ” يجب على أطراف النزاع إتخاذ كافة التدابير المستطاعة، التي تكفل عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشره في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف، بوجه خاص، أن تمتنع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة. ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا بعد الثامنة عشرة أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً. “. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 4 (3) (ج) من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 على عدم جواز تجنيد الأطفال الذين لم يبلغوا سن الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة أو السماح لهم بالمشاركة في الأعمال العدائية.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تلزم المادة 38 (3) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي صدق عليها السودان في عام 1990، الدول الأطراف بالامتناع عن تجنيد أي شخص لم يبلغ سن الخامسة عشرة في قواتها المسلحة. “عند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغوا سن الخامسة عشرة ولكن لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، يجب على الدول الأطراف أن تسعى إلى إعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا”. بالإضافة إلى ذلك، فإن البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة لحماية الأطفال من التجنيد والاستخدام في الأعمال العدائية، والذي صدق عليه السودان في عام 2004، ينص أيضًا على أن الدول لن تقوم بتجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا لشن هجمات أو إرسالهم إلى ساحة المعركة، والمجندين إلزامياً ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا. كما يُلزم البروتوكول الاختياري الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع هذا التجنيد – بما في ذلك التشريعات التي تحظر وتجرم تجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا وإشراكهم في الأعمال العدائية، وتسريح كل من تم تجنيده وهو دون سن 18 عامًا، أو استخدامهم في الأعمال العدائية، مع توفير خدمات التعافي الجسدي والنفسي والمساعدة في إعادة إدماجهم في المجتمع، ويشترط على الجماعات المسلحة المختلفة عن القوات المسلحة لبلد ما عدم تجنيد أو استخدام أي شخص يقل عمره عن 18 عامًا تحت أي ظرف من الظروف.
وبموجب المادة 8 (2) (ب) (26) و (هـ) (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، يشكل تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وعلى الصعيد الإقليمي، السودان طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الذي يتطلب من الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان عدم مشاركة أي طفل بشكل مباشر في الأعمال العدائية والإمتناع على وجه الخصوص عن تجنيد أي طفل.
عليه، يجب على السلطات السودانية وقوات الدعم السريع إتخاذ خطوات فورية للإمتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي الذي صادقت عليه من خلال إنهاء جميع أشكال تجنيد الأطفال، وتسريح جميع الأطفال أو إطلاق سراحهم ، وتسهيل إعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المجتمع. كما ينبغي على المجتمع الدولي، ولا سيما لجنة حقوق الطفل ولجنة الخبراء الأفريقية المعنية بحقوق ورفاهية الطفل، أن يدينوا بشدة الانتهاكات ضد الأطفال في السودان ويطالبوا جميع الأطراف بالوفاء بالتزاماتهم بموجب معاهدات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.
السيدة شارون إيشا أوجيما
مسؤول برامج، الرصد والتوثيق
بالمركز الأفريقي للعدالة و دراسات السلام